للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

بَلْ قَصَدَ تَعْظِيمَ أَبِيهِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ (خَامِسُهَا) أَنَّ هَذِهِ كَلِمَةٌ لَهَا اسْتِعْمَالَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَارَةً يُقْصَدُ بِهَا التَّعْظِيمُ، وَتَارَةً يُرِيدُونَ بِهَا تَأْكِيدَ الْكَلَامِ وَتَقْوِيَتَهُ دُونَ الْقَسَمِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَطِيبُ سَفَاهًا مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهَا ... لِأَهْجُوَهَا لَمَّا هَجَتْنِي مُحَارِبُ

فَلَا وَأَبِيهَا إنَّنِي بِعَشِيرَتِي ... وَنَفْسِي عَنْ ذَاكَ الْمُقَامِ لَرَاغِبُ

وَمُحَالٌ أَنْ يُقْسِمَ بِأَبِي مَنْ يَهْجُوهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْظَامِ لَحِقَهُ فِي أَمْثِلَةٍ عَدِيدَةٍ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ مَا عَدَا الْأَوَّلَ الْخَطَّابِيُّ.

(الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ إنْ قِيلَ فَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَخْلُوقَاتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: ١] . {وَالذَّارِيَاتِ} [الذاريات: ١] . {وَالطُّورِ} [الطور: ١] فَالْجَوَابُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا يَشَاءُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِهِ انْتَهَى.

وَتَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ (لِلَّهِ) مُنْكَرٌ، وَلَوْ قَالَ إنَّ اللَّهَ يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْسِمَ إلَّا بِاَللَّهِ» .

(الْخَامِسَةُ) قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حَلَفْت بِهَا بَعْدُ ذَاكِرًا، وَلَا آثِرًا هُوَ بِالْمَدِّ، وَبِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ حَاكِيًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ أَيْ مَا حَلَفْت بِهَا، وَلَا حَكَيْت عَنْ غَيْرِي أَنَّهُ حَلَفَ بِهَا يُقَالُ آثَرْت الْحَدِيثَ إذَا ذَكَرْته عَنْ غَيْرِك، وَمِنْهُ كَمَا قِيلَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: ٤] ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ تَقَدَّمَتْ، وَلَا تَكَلَّمْت بِهَا (فَإِنْ قُلْت) الْحَاكِي لِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ لَيْسَ حَالِفًا بِهِ (قُلْت) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفًا أَيْ مَا حَلَفَتْ بِهَا ذَاكِرًا، وَلَا ذَكَرْته آثِرًا، وَإِنْ تَضَمَّنَ حَلَفْت مَعْنَى نَطَقْت أَوْ قُلْت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْعَمَلِ فِيهِمَا كَمَا قَدْ ذَكَرَ الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

، إمَّا أَنْ يُقَدِّرَ سَقَيْتهَا، وَإِمَّا أَنْ يُضَمِّنَ عَلَفْتهَا مَعْنَى أَنَلْتهَا، وَمَا أَشْبَهَ، وَقَدْ ذَكَرَ كَهَذَا السُّؤَالِ، وَجَوَابِهِ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ (فَإِنْ قُلْت) إذَا تَوَرَّعَ عَنْ النُّطْقِ بِذَلِكَ حَاكِيًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَكَيْفَ نَطَقَ بِهِ حَاكِيًا لَهُ عَنْ نَفْسِهِ (قُلْت) حِكَايَتُهُ لَهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ ضَرُورَةِ تَبْلِيغِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَرِوَايَتِهَا، وَأَيْضًا فَقَدْ يُرِيدُ نَفْيَ حِكَايَةِ كَلَامِ الْحَالِفِ بِهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ.

وَأَمَّا هُوَ فَإِنَّمَا حَلَفَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>