للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

أَحْمَدَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ مِنْ الْمُسْنَدِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعَمْدِ الْحَلِفُ بِالشَّيْءِ حَقِيقَةً هُوَ الْقَسَمُ بِهِ، وَإِدْخَالُ بَعْضِ حُرُوفِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّيْءِ يَمِينٌ كَمَا تَقُولُ الْفُقَهَاءُ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى كَذَا، وَمُرَادُهُمْ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِهِ، وَهَذَا مَجَازٌ، وَكَأَنَّ سَبَبَهُ مُشَابَهَةُ هَذَا التَّعْلِيقِ بِالْيَمِينِ فِي اقْتِضَاءِ الْحَثِّ أَوْ الْمَنْعِ ثُمَّ جَوَّزَ الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ إنَّ الثَّانِي أَقْرَبُ، وَأَمَّا لَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الثَّانِي كَمَا قَرَّرْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ أَيْ أَخْبَرَ بِأَمْرٍ مَاضٍ، وَعَلَّقَ بَرَاءَتَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ عَلَى كَذِبِهِ فِي ذَلِكَ الْإِخْبَارِ، وَكَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ أَيْ مِنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كُفْرٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فِي الْمَاضِي وَكَانَ قَدْ دَخَلَ، نَعَمْ لَوْ بَنَى إخْبَارَهُ بِذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكَفَّرَ لِأَنَّهُ رَبَطَ الْكُفْرَ بِأَمْرٍ يَظُنُّ أَنَّهُ غَيْرُ حَاصِلٍ فَلَا خَلَلَ فِي اعْتِقَادِهِ، وَلَا فِي لَفْظِهِ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْحَدِيثَ هَذِهِ الصُّورَةَ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّعَمُّدَ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ.

وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُهُ فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا) مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَقَصَ كَمَالُ إسْلَامِهِ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لَفْظَ ابْنِ مَاجَهْ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الْإِسْلَامُ سَالِمًا، وَاللَّفْظَانِ صَحِيحَانِ فَنَقَصَ هُوَ يَتَعَاطَى هَذَا اللَّفْظَ، وَنَقَصَ إسْلَامُهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا اللَّفْظِ، وَلَوْ كَانَ صَادِقًا فِي كَلَامِهِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ وَوُجُوبِ التَّوْبَةِ مِنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالنَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ بَيَانُ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْحَلِفِ بِمِلَّةٍ سِوَى الْإِسْلَامِ كَقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ كَانَ كَذَا أَوْ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَشِبْهِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ كَاذِبًا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّقْيِيدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>