. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَلَا يُقْدَرُ عَلَى دَفْعِهِمْ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيُسْتَخَفَّ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ إنَّمَا عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ بِإِهْلَاكِ جَمْعٍ أَذَاهُ مِنْهُ وَاحِدٌ.
وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ الصَّبْرَ وَالصَّفْحَ لَكِنْ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مُؤْذٍ لِبَنِي آدَمَ، وَحُرْمَةُ بَنِي آدَمَ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ النَّاطِقِ فَلَوْ انْفَرَدَ لَهُ هَذَا النَّظَرُ، وَلَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ التَّشَفِّي الطَّبِيعِيُّ لَمْ يُعَاتَبْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنْ لَمَّا انْضَافَ التَّشَفِّي الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ عُوتِبَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا التَّمَسُّكُ بِأَصْلِ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاَللَّهِ وَبِأَحْكَامِهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّمْلِ عِنْدَنَا مَحَلُّهُ فِي النَّمْلِ الْكَبِيرِ الْمَعْرُوفِ بِالسُّلَيْمَانِيِّ كَذَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ الْبَغَوِيّ.
وَأَمَّا الصَّغِيرُ الْمُسَمَّى بِالنَّمْلِ فَاسْمُهُ الذَّرُّ، وَقَتْلُهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ الْإِحْرَاقِ، وَفِي الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ الْإِيضَاحِ لِلصَّيْمَرِيِّ أَنَّ الَّذِي يُؤْذِي مِنْهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَنَقَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ شَارِحُ التَّنْبِيهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَطْلَقَ كَرَاهَةَ قَتْلِ النَّمْلِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْجَوَازِ فِي الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ إمَّا عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ، وَقَدْ بَوَّبَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ «قَتْلِ الذَّرِّ» .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ قِصَّةَ هَذَا النَّبِيِّ كَانَتْ فِي الذَّرِّ فَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي حُكْمُهَا عِنْدَنَا، وَفِي شَرِيعَتِهِ.
(الرَّابِعَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي قَوْلِهِ «فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً» تِلْكَ النَّمْلَةُ الَّتِي قَرَصَتْهُ أَيْ هَلَّا اقْتَصَرْت عَلَى مُعَاقَبَتِهَا وَحْدَهَا دُونَ مَنْ لَمْ يَجْنِ عَلَيْك، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى مَعْرِفَتِهَا بِعَيْنِهَا احْتَاجَ إلَى الِانْكِفَافِ عَنْ الْكُلِّ، وَلِهَذَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (اشْتِبَاهُ الْجَانِي بِغَيْرِهِ) وَيَكُونُ هَذَا وَجْهَ الْعَتْبِ.
وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ بَلْ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّمْلَةِ الْوَاحِدَةِ لَكِنْ مَا أَدْرِي كَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا مَعَ جَوَازِ قَتْلِ النَّمْلِ فِي شَرِيعَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَإِحْرَاقِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَلْدَغْهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ إنَّمَا ذُكِرَتْ ضَرْبَ مَثَلٍ لَهُ فِي سُؤَالِهِ عَنْ إهْلَاكِ الْقَرْيَةِ، وَفِيهَا مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ بِحُكْمِ الْمُلْكِ أَنْ يُهْلِكَ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ فَإِذَا اخْتَلَطَ الْمُذْنِبُ بِغَيْرِهِ، وَأُهْلِكُوا بِعَامٍّ شَمِلَ الْفَرِيقَيْنِ، وَلِهَذَا النَّبِيِّ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ أَنْ يَحْرُقَ مِنْ النَّمْلِ مَا لَمْ يَلْدَغْهُ.
فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute