. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
غَنِيمَةٍ قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ أَنَّ أَبَا هَانِئٍ حُمَيْدٍ بْنَ هَانِئٍ رَاوِيَهُ مَجْهُولٌ، وَرَجَّحُوا الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي أَنَّ الْمُجَاهِدَ يَرْجِعُ بِمَا يَنَالُ مِنْ أَجْرٍ، وَغَنِيمَةٍ فَرَجَّحُوهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِشُهْرَتِهِ وَشُهْرَةِ رِجَالِهِ، وَلِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذَا فِي مُسْلِمٍ خَاصَّةً، وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ مِنْ أَوْجُهٍ فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ رُجُوعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّ الْغَنِيمَةَ تُنْقِصُ الْأَجْرَ أَمْ لَا، وَلَا قَالَ أَجْرُهُ كَأَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ فَهُوَ مُطْلَقٌ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَبُو هَانِئٍ مَجْهُولٌ فَغَلَطٌ فَاحِشٌ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى عَنْهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَيْوَةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَيَكْفِي فِي تَوْثِيقِهِ احْتِجَاجُ مُسْلِمٍ بِهِ فِي صَحِيحِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ كَوْنُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي غَنِيمَةِ بَدْرٍ فَلَيْسَ فِي غَنِيمَةِ بَدْرٍ نَصٌّ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَغْنَمُوا لَكَانَ أَجْرُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِهِمْ، وَقَدْ غَنِمُوا فَقَطْ، وَكَوْنُهُمْ مَغْفُورًا لَهُمْ مَرْضِيًّا عَنْهُمْ، وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ وَرَاءَ هَذَا مَرْتَبَةٌ أُخْرَى هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ شَدِيدُ الْفَضْلِ عَظِيمُ الْقَدْرِ، وَمِنْ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ لَعَلَّ الَّذِي تَعَجَّلَ ثُلُثَيْ أَجْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي غَنِيمَةٍ أُخِذَتْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ إذْ لَوْ كَانَتْ عَلَى خِلَافِ وَجْهِهَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتَ الْأَجْرِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الَّتِي أَخْفَقَتْ يَكُونُ لَهَا أَجْرٌ بِالْأَسَفِ عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ فَيُضَاعِفُ ثَوَابَهَا كَمَا يُضَاعِفُ لِمَنْ أُصِيبَ فِي مَالِهِ وَأَهْلِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ مُبَايِنٌ لِصَرِيحِ الْحَدِيثِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْغَزْوِ وَالْغَنِيمَةِ مَعًا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ انْتَهَى.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنَاهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ بِلَا غَنِيمَةٍ إنْ لَمْ يَغْنَمْ أَوْ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ مَعًا إنْ غَنِمَ فَالْأَجْرُ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ فِي الشِّقِّ الثَّانِي مَعَ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهِ، وَكَيْفَ [يَكُونُ] الْمُجَاهِدُ الْمُخْلِصُ بِلَا أَجْرٍ مَعَ كَوْنِهِ كَالصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ فَمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِلَا أَجْرٍ، وَقَدْ امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِإِبَاحَةِ الْغَنَائِمِ لَنَا، وَلَوْ كَانَ حُصُولُهَا مَانِعًا مِنْ الْأَجْرِ لَمْ تَحْصُلْ بِهَا الْمِنَّةُ بَلْ هِيَ حِينَئِذٍ نِقْمَةٌ، وَقَدْ «ضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُثْمَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute