. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَقَدْ نَجِدُهُمْ يُؤْمِنُونَ ثُمَّ يَكْفُرُونَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَعْقِلَ الطِّفْلُ حَالَ وِلَادَتِهِ كُفْرًا أَوْ إيمَانًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: ٧٨] فَمَنْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا اسْتَحَالَ مِنْهُ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ.
(الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْإِسْلَامُ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ هَؤُلَاءِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ فَقَدْ أَجْمَعُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] أَنَّهَا دَيْنُ الْإِسْلَامِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حَمَّادٍ «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَبَنِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ» .
ثُمَّ رَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُسْتَحِيلٌ مِنْ الطِّفْلِ، وَقَرَّرَ الْمَازِرِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْبِ آدَمَ يَوْمَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] ، وَأَنَّ الْوِلَادَةَ تَقَعُ عَلَيْهَا حَتَّى يَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالْأَبَوَيْنِ، وَقَرَّرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ مُؤَهَّلَةً لِقَبُولِ الْحَقِّ كَمَا خَلَقَ أَعْيُنَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ قَابِلَةً لِلْمَرْئِيَّاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ فَمَا دَامَتْ عَلَى ذَلِكَ الْقَبُولِ، وَعَلَى تِلْكَ الْأَهْلِيَّةِ أَدْرَكَتْ الْحَقَّ وَدِينَ الْإِسْلَامِ، وَصَحَّحَ هَذَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ «عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ» .
وَهِيَ إشَارَةٌ إلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ: وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ «جَبَلَ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ» .
وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ مُتَهَيَّأً لِلْإِسْلَامِ فَمَنْ كَانَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا فَيَتْبَعُهُمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَهَذَا مَعْنَى يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَيْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي الدُّنْيَا فَإِنْ بَلَغَ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ فَإِنْ سَبَقَتْ لَهُ سَعَادَةٌ أَسْلَمَ وَإِلَّا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، انْتَهَى.
(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ الْبُدَاءَةُ الَّتِي ابْتَدَأَهُمْ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَلْقَهُ مِنْ أَنَّهُ ابْتَدَأَهُمْ لِلْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ، وَالشَّقَاءِ، وَالسَّعَادَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَبَبُهُ مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» فَقَالَ يُفَسِّرُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ حِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute