للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَلَكَ الرُّومِ قَيْصَرُ وَمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةِ النَّجَاشِيُّ، وَمَنْ مَلَكَ الْيَمَنَ تُبَّعٌ، وَمَنْ مَلَكَ حِمْيَرَ الْقَيْلُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَقِيلَ الْقَيْلُ أَقَلُّ دَرَجَةً مِنْ الْمَلِكِ اهـ وَيَجُوزُ فِي كِسْرَى فَتْحُ الْكَافِ وَكَسْرُهَا، وَحُكِيَ الْفَتْحُ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ، وَالْكَسْرُ عَنْ غَيْرِهِ.

{الثَّالِثَةُ} مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ هَذَا الْكَلَامَ قَبْلَ هَلَاكِ كِسْرَى لَكِنَّ لَفْظَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَدْ مَاتَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ» مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى «وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ الَّتِي رَوَاهَا مِنْهَا مُسْلِمٌ بِلَفْظِ «إذَا هَلَكَ كِسْرَى» .

وَيُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الَّتِي لَفْظُهَا «قَدْ مَاتَ كِسْرَى» مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ. «لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَهْلِ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» فَظَاهِرُ الرِّوَايَتَيْنِ التَّنَافِي، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) قَبْلَ مَوْتِ كِسْرَى بِلَفْظِ «إذَا هَلَكَ كِسْرَى» وَالْأُخْرَى بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَفْظِ «قَدْ مَاتَ كِسْرَى» .

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ بَعِيدٌ ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ فَيُقَالُ إنَّ مَوْتَ كِسْرَى قَدْ وَقَعَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إهْلَاكُ مُلْكِهِ فَلَمْ يَقَعْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ «قَدْ مَاتَ كِسْرَى» مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١] فَعَبَّرَ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَتَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

{الرَّابِعَةُ} قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ لَا يَكُونُ كِسْرَى بِالْعِرَاقِ، وَلَا قَيْصَرُ بِالشَّامِ كَمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْلَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِانْقِطَاعِ مُلْكِهِمَا فِي هَذَيْنِ الْإِقْلِيمَيْنِ وَكَانَ كَمَا قَالَ؛ فَأَمَّا كِسْرَى فَانْقَطَعَ مُلْكُهُ، وَزَالَتْ مَمْلَكَتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَتَمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ، وَاضْمَحَلَّ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا قَيْصَرُ فَانْهَزَمَ مِنْ الشَّامِ، وَدَخَلَ أَقْصَى بِلَادِهِ فَافْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمَا، وَاسْتَقَرَّتْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اهـ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>