. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عَنْ التَّحَاكُمِ إلَيْهِ فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ الْحَاكِمَ بَعْدَ تَرَافُعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَيْهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ فَاخْتَارَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِحْصَانِ عِنْدَهُ الْإِسْلَامُ وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي هَذَيْنِ الزَّانِيَيْنِ فَلَيْسَ حُكْمُ الشَّرْعِ عِنْدَهُ رَجْمَهُمَا فَكَيْفَ يُقَالُ حَكَمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَكَيْفَ الْمَخْلَصُ عِنْدَهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيُّ جَاءُوا مُحَكِّمِينَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَمُخْتَبِرِينَ فِي الْبَاطِنِ هَلْ هُوَ نَبِيُّ حَقٍّ أَوْ مُسَامِحٌ فِي الْحَقِّ فَقَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إفْتَاءَهُمْ وَتَأَمَّلَ سُؤَالَهُمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْكِيمَ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ انْتَهَى.
(قُلْت) التَّحْكِيمُ إنَّمَا يَكُونُ لِغَيْرِ الْحُكَّامِ فَأَمَّا الْحُكَّامُ فَحُكْمُهُمْ بِالْوِلَايَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّحْكِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنْ قَالَ قَائِلٌ لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الزَّانِيَيْنِ حَكَّمَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا رَضِيَا بِحُكْمِهِ قِيلَ لَهُ حَدُّ الزَّانِي حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى الْحَاكِمِ إقَامَتُهُ وَقَدْ كَانَ لِلْيَهُودِ حَاكِمٌ فَهُوَ الَّذِي حَكَّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْكِيمِ الزَّانِيَيْنِ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ النُّبُوَّةِ لَا بِالتَّحْكِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ مَذْهَبِنَا وَغَيْرِهِ مِنْ إقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الْكَافِرِ مَحَلُّهُ فِي الذِّمِّيِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ.
١ -
أَمَّا الْمُعَاهِدُ أَوْ مَنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ إذَا زِنًا بِمُسْلِمَةٍ فَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ طَرِيقَانِ:
(أَحَدُهُمَا) : أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَالْخِلَافِ فِي قَطْعِهِ بِالسَّرِقَةِ (أَظْهَرُهُمَا) لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَ (الثَّانِي) نَعَمْ وَ (الثَّالِثُ) إنْ شُرِطَ عَلَيْهِ فِي الْعَهْدِ حَدٌّ وَإِلَّا فَلَا وَ (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّقُ بِطَلَبِ آدَمِيٍّ وَخُصُومَتِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَقْلِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يُحَدُّ الدَّاخِلُ بِأَمَانٍ فِي الزِّنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُحَدُّ إذَا زَنَا بِذِمِّيَّةٍ.
(الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ الْمُقْتَضِي لِلرَّجْمِ (الْإِسْلَامُ) فَإِذَا وَطِئَ الذِّمِّيُّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ حُرٌّ صَارَ مُحْصَنًا يَجِبُ رَجْمُهُ إذَا زَنَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُرْجَمُ الذِّمِّيُّ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامُ قَالُوا: وَكَانَ الرَّجْمُ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ لَا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْحَدِّ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute