للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٌ دَعَوْت عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً مِنْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ دُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً وَزَكَاةً وَنَحْوَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبِّ وَاللَّعْنِ وَنَحْوِهِ وَكَانَ مُسْلِمًا، وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَةً.

(الثَّالِثَةُ) (إنْ قُلْت) : كَيْفَ يَصْدُرُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَسُبُّهُ أَوْ يَلْعَنُهُ أَوْ يَجْلِدُهُ وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومٌ عَنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ عَمْدًا وَسَهْوًا؟ (قُلْت) : قَالَ النَّوَوِيُّ الْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ وَمُخْتَصَرُهُ وَجْهَانِ:

(أَحَدُهُمَا) : أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُسْتَوْجِبٌ لَهُ فَيَظْهَرُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِحْقَاقُهُ لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَيَكُونُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ.

(الثَّانِي) : إنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبِّهِ وَدُعَائِهِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بَلْ هُوَ مِمَّا خَرَجَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي وَصْلِ كَلَامِهَا بِلَا نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ «تَرِبَتْ يَمِينُك وَعَقْرَى حَلْقَى» وَكَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لِيَتِيمَةِ أُمِّ سُلَيْمٍ «لَا أَكْثَرَ اللَّهُ مِنْك» وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ» وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ فَخَافَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَادِفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إجَابَةً فَسَأَلَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَغِبَ إلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً وَقُرْبَةً وَطَهُورًا وَأَجْرًا وَإِنَّمَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُ هَذَا فِي النَّادِرِ الشَّاذِّ مِنْ الْأَزْمَانِ وَلَمْ يَكُنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُمْ «قَالُوا لَهُ اُدْعُ عَلَى دَوْسٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا» .

«وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» انْتَهَى.

وَعَبَّرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِعِبَارَةٍ حَسَنَةٍ أَحْبَبْت نَقْلَهَا فَقَالَ أَوْضَحُهَا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَغْضَبُ لِمَا يَرَى مِنْ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ فَغَضَبُهُ لِلَّهِ لَا لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَقِمُ لَهَا، وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ غَضَبِهِ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ الْمَغْضُوبِ مِنْ أَجَلِهِ.

وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّبَ الْمُخَالِفَ بِاللَّعْنِ وَالسَّبِّ وَالْجَلْدِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِالْمَكْرُوهِ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مُخَالَفَةِ الْمُخَالِفِ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَخَالِفَ قَدْ يَكُونُ مَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>