. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
بَغَتْ فَارْجُمْهَا» : الْحَدِيثَ وَفِيهِ «ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ ارْمُوهَا وَإِيَّاكُمْ وَوَجْهَهَا» لَفْظُ النَّسَائِيّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ» .
(الْخَامِسَةُ) : ظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِاتِّقَاءِ الْوَجْهِ فِي ضَرْبِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُفْصِحُوا عَنْ حُكْمِهِ وَصَرَّحَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِوُجُوبِ ذَلِكَ.
(السَّادِسَةُ) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَخَاهُ) اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ خَرَجَ مُخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَرَدَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِأَحَدٍ وَذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يَعْنِي بِالْأُخُوَّةِ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أُخُوَّةَ الْآدَمِيَّةِ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ بَنُو آدَمَ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ «فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» أَيْ عَلَى صُورَةِ وَجْهِ الْمَضْرُوبِ، فَكَأَنَّ اللَّاطِمَ فِي وَجْهِ أَحَدِ وَلَدِ آدَمَ لَطَمَ وَجْهَ أَبِيهِ آدَمَ وَعَلَى هَذَا فَيَحْرُمُ لَطْمُ الْوَجْهِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَلَوْ أَرَادَ الْأُخُوَّةَ الدِّينِيَّةَ لَمَا كَانَ لِلتَّعْلِيلِ بِخَلْقِ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ مَعْنًى لَا يُقَالُ فَالْكَافِرُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ وَضَرْبِهِ فِي أَيِّ عُضْوٍ كَانَ إذْ الْمَقْصُودُ إتْلَافُهُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِانْتِقَامِ مِنْهُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ضَرْبَ الْوَجْهِ أَبْلَغُ فِي الِانْتِقَامِ وَالْعُقُوبَةِ فَلَا يُمْنَعُ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ إكْرَامُ وَجْهِ الْمُؤْمِنِ لِحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مُسَلَّمٌ أَنَّا مَأْمُورُونَ بِقَتْلِ الْكَافِرِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الِانْتِقَامِ مِنْهُ لَكِنْ إذَا تَمَكَّنَّا مِنْ اجْتِنَابِ وَجْهِهِ اجْتَنَبْنَاهُ لِشَرَفِ هَذَا الْعُضْوِ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَزَّلَ هَذَا الْوَجْهَ مَنْزِلَةَ وَجْهِ أَبِينَا وَيَقْبُحُ لَطْمُ الرَّجُلِ وَجْهًا شَبَهَ وَجْهِ أَبِي اللَّاطِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَابِعَةٌ لِلْوَجْهِ انْتَهَى.
(السَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» ظَاهِرٌ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى صُورَةِ الْمَضْرُوبِ؛ فَلِهَذَا الْمَعْنَى أَمَرَ بِإِكْرَامِهَا وَنَهَى عَنْ ضَرْبِهَا وَهَذِهِ الصِّيغَةُ دَالَّةٌ عَلَى التَّعْلِيلِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ ارْتِبَاطٌ بِاَلَّتِي قَبْلَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَضْرِبُ عَبْدَهُ فِي وَجْهِهِ لَطْمًا وَيَقُولُ قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَك وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَك فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» وَأَعَادَ بَعْضُهُمْ الضَّمِيرَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَيَّدَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي لَفْظُهَا «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute