للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ:» وَإِنَّمَا قَالَ «الْمَاشِي:» وَلَهُمَا فِي رِوَايَةٍ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي:» ..

ــ

[طرح التثريب]

بِلَفْظِ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ إنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

(الثَّانِيَةُ) : قَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ تَسْلِيمُ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ وَالصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ فَأَمَّا تَسْلِيمُ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي فَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي تَعْلِيلِهِ ذَلِكَ لِفَضْلِ الرَّاكِبِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الدُّنْيَا فَعَدَلَ الشَّرْعُ بِأَنْ جَعَلَ لِلْمَاشِي فَضِيلَةَ أَنْ يُبْدَأَ وَاحْتِيَاطًا عَلَى الرَّاكِبِ مِنْ الْكِبْرِ وَالزَّهْوِ إذَا حَازَ الْفَضِيلَتَيْنِ قَالَ: وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.

وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَمْ أَرَ فِي تَعْلِيلِهِ نَصًّا وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِي تَعْلِيلِهِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ فَيُقَالُ إنَّ الْقَاعِدَ قَدْ يَتَوَقَّعُ شَرًّا مِنْ الْوَارِدِ عَلَيْهِ أَوْ يُوجِسُ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً فَإِذَا ابْتَدَأَهُ بِالسَّلَامِ أَنِسَ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَالتَّرَدُّدَ فِي الْحَاجَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَامْتِهَانُ النَّفْسِ فِيهَا يُنْقِصُ مِنْ مَرْتَبَةِ الْمُتَمَاوِتِينَ الْآخِذِينَ بِالْعُذَلَةِ تَوَرُّعًا فَصَارَ لِلْقَاعِدِينَ مِنْ الْمَزِيَّةِ فِي بَابِ الدَّيْنِ؛ فَلِهَذَا أَمَرَ بِبُدَاءَتِهِمْ؛ أَوْ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَشُقُّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَارِّينَ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَالتَّشَوُّفِ إلَيْهِمْ فَسَقَطَتْ الْبُدَاءَةُ عَنْهُ وَأَمَرَ بِهَا الْمَارَّ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ.

وَهَذَّبَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الْمَذْكُورَةَ مَعَ اخْتِصَارٍ فَقَالَ: وَأَمَّا الْمَاشِي فَقَدْ قِيلَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْ مِثْلُ مَا قِيلَ فِي الرَّاكِبِ مِنْ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَأَنَّهُ أَبْعَدُ لَهُ عَنْ الزَّهْوِ قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ إذْ الْمَاشِي لَا يَزْهُو بِمَشْيِهِ غَالِبًا وَقِيلَ هُوَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ الْقَاعِدَ قَدْ يَقَعُ لَهُ خَوْفٌ مِنْ الْمَاشِي فَإِذَا بَدَأَهُ بِالسَّلَامِ أَمِنَ ذَلِكَ وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ إذْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْخَوْفِ بِالْقَاعِدِ فَقَدْ يَخَافُ الْمَاشِي مِنْ الْقَاعِدِ وَأَشْبَهَ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَاعِدَ عَلَى حَالِ وَقَارٍ وَسُكُونٍ وَثُبُوتٍ فَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>