للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

قَوْلُهُ «يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ» مَعْنَاهُ يَعْذُلُهُ عَلَى فِعْلِهِ وَيَذْكُرُ لَهُ مَفَاسِدَهُ «فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ» وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهِيَ دَعْهُ انْفَرَدَ بِهَا الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ.

(الرَّابِعَةُ) قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا كَانَ الْحَيَاءُ وَهُوَ فِي الْأَكْثَرِ غَرِيزَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ اكْتِسَابٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانُ مِنْهَا، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مَبْسُوطًا فَقَالَ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانَ فَجَازَ أَنْ يُسَمَّى إيمَانًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا قَامَ مَقَامَهُ أَوْ كَانَ شَبِيهًا بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ صَلَاةً، وَأَصْلُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ فَلَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ سُمِّيَتْ صَلَاةً، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَهِيَ تَثْمِيرُ الْمَالِ وَنَمَاؤُهَا فَلَمَّا كَانَ النَّمَاءُ يَقَعُ بِإِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ عَنْ الْمَالِ سُمِّيَ زَكَاةً حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ بَطَّالٍ.

(الْخَامِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيزَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَاكْتِسَابًا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إلَى اكْتِسَابٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ مِنْ الْإِيمَانِ لِهَذَا وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ وَمَانِعًا مِنْ الْمَعَاصِي.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَاءِ خَيْرًا كُلُّهُ وَلَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الْحَيَاءِ قَدْ يَسْتَحْيِ أَنْ يُوَاجِهَ بِالْحَقِّ مَنْ يُجِلُّهُ فَيَتْرُكُ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ يَحْمِلُهُ الْحَيَاءُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ، قَالَ: وَجَوَابُ هَذَا مَا أَجَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا الْمَانِعَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَخَوَرٌ وَمُهَانَةٌ وَإِنَّمَا تَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابَهَتِهِ الْحَيَاءَ الْحَقِيقِيَّ، وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خَلْقٌ يُبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ وَنَحْوِ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْجُنَيْدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّادِسَةُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْحَضَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبَائِحِ الْأُمُورِ وَرَذَائِلِهَا وَكُلَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ فِعْلِهِ وَالِاعْتِذَارِ عَنْهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>