. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَحُسِمَ الْبَابُ فِيهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَالِاسْتِعَاذَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالِاشْتِغَالِ بِأَمْرٍ سِوَاهُ.
وَهَذِهِ حِيلَةٌ بَلِيغَةٌ وَجُنَّةٌ حَصِينَةٌ يَخْزَى مَعَهَا الشَّيْطَانُ، وَيَبْطُلُ كَيْدُهُ وَلَوْ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَاجَّتَهُ وَأَذِنَ فِي مُرَاجَعَتِهِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ فِيمَا يُوَسْوِسُ بِهِ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى كُلِّ مُوَحِّدٍ سَهْلًا فِي قَمْعِهِ وَإِبْطَالِ قَوْلِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَاحِدًا مِنْ الْبَشَرِ لَكَانَ جَوَابُهُ وَالنَّقْضُ عَلَيْهِ مُتَلَقًّى مِنْ سُؤَالِهِ وَمَأْخُوذًا مِنْ فَحَوَى كَلَامِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ الَّذِي خَلَقَهُ، فَقَدْ نَقَضَ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ آخِرَهُ، وَأَعْطَى أَنْ لَا شَيْءَ يُتَوَهَّمُ دُخُولُهُ تَحْتَ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجَانٍّ وَنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ فِعْلٌ، لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ وَاقِعٌ تَحْتَ اسْمِ الْخَلْقِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْمُطَالَبَةِ مَعَ هَذَا مَحَلٌّ وَلَا قَرَارٌ، وَأَيْضًا لَوْ جَازَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَسْأَلَ فَيُقَالُ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَيُسَمِّي شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ يَدَّعِي لَهُ هَذَا الْوَصْفَ لَلَزِمَ أَنْ يُقَالَ وَمَنْ خَلَقَ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَلَامْتَدَّ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَالْقَوْلُ بِمَا لَا يَتَنَاهَى فَاسِدٌ فَسَقَطَ السُّؤَالُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمِمَّا كَانَ يُقَالُ لِمَنْ يَسْأَلُ هَذَا السُّؤَالَ إنَّمَا وَجَبَ إثْبَاتُ الصَّانِعِ الْوَاحِدِ لِمَا اقْتَضَاهُ أَوْصَافُ الْخَلِيقَةِ مِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ الْمُوجِبَةِ أَنَّ لَهَا مُحْدِثًا فَقُلْنَا إنَّ لَهَا خَالِقًا، وَنَحْنُ لَمَّا نُشَاهِدْ الْخَالِقَ عِيَانًا فَنُحِيطَ بِكُنْهِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ لَنَا أَنْ نَصِفَهُ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ لَهُ خَالِقًا.
وَالشَّاهِدُ لَا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْغَائِبِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ دُونَ الْمُشْتَبِهَاتِ، وَالْمَفْعُولُ لَا يُشْبِهُ فَاعِلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُعُوتِهِ الْخَاصَّةِ فَبَطَلَ مُطْلَقًا مَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ اقْتِضَاءِ خَالِقٍ لِمَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ كُلَّهُ، وَلَوْ أَكْثَرْنَا فِي هَذَا لَدَخَلْنَا فِي نَوْعِ مَا نُهِينَا عَنْهُ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِذًا نَنْتَهِي إلَى مَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ حَسْمِ هَذَا الْبَابِ فِي مُنَاظَرَةِ الشَّيْطَانِ لِجَهْلِهِ وَقِلَّةِ إنْصَافِهِ وَكَثْرَةِ شَغَبِهِ، وَقَدْ تَوَاصَى الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَمَاءُ فِيمَا دَوَّنُوهُ وَرَسَمُوهُ مِنْ حُدُودِ الْجَدَلِ وَآدَابِ النَّظَرِ بِتَرْكِ مُنَاظَرَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَأَمَرُوا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ انْتَهَى.
(السَّابِعَةُ) وَفِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ مَغِيبٍ قَدْ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute