. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
يُسَلِّمُونَ أَنَّ الْحُمَّى الصَّفْرَاوِيَّةَ يُدَبَّرُ صَاحِبُهَا بِسَقْيِ الْمَاءِ الْبَارِدِ الشَّدِيدِ الْبُرُودَةِ، وَيَسْقُونَهُ الثَّلْجَ وَيَغْسِلُونَ أَطْرَافَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْحُمَّى، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا كَانَتْ تَأْتِي الْمَرْأَةَ الْمَوْعُوكَةَ فَتَصُبُّ الْمَاءَ فِي جَيْبِهَا وَتَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» فَهَذِهِ أَسْمَاءُ رَاوِيَةُ الْحَدِيثِ، وَقُرْبُهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْلُومٌ تَأَوَّلَتْ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَاهُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْمُلْحِدِ الْمُعْتَرِضِ إلَّا اخْتِرَاعُهُ الْكَذِبَ وَاعْتِرَاضُهُ بِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ انْتَهَى.
وَأَخَذَ كَلَامَهُ هَذَا مِنْ الْخَطَّابِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا، فَقَالَ غَلِطَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْعِلْمِ فَانْغَمَسَ فِي الْمَاءِ لَمَّا أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَاحْتَقَنَتْ الْحَرَارَةُ فِي بَاطِنِ بَدَنِهِ فَأَصَابَتْهُ عِلَّةٌ صَعْبَةٌ كَادَ أَنْ يَهْلِكَ مِنْهَا، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِلَّتِهِ قَالَ قَوْلًا فَاحِشًا لَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ لِجَهْلِهِ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَتَبْرِيدِ الْحُمَّيَاتِ الصَّفْرَاوِيَّةِ أَنْ يَسْقِيَ الْمَاءَ الصَّادِقَ الْبَرْدَ، وَيُوضَعُ أَطْرَافُ الْمَحْمُومِ فِيهِ وَأَنْفَعُ الْعِلَاجِ وَأَسْرَعُهُ إلَى إطْفَاءِ نَارِهَا وَكَسْرِ لَهِيبِهَا فَإِنَّمَا أَمْرُنَا بِإِطْفَاءِ الْحُمَّى وَتَبْرِيدِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دُونَ الِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ وَغَطِّ الرَّأْسِ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَسْمَاءَ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَالَ الْقَاضِي بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ أَسْمَاءَ هَذَا يَرُدُّ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ وَيُصَحِّحُ حُصُولَ الْبُرْءِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَحْمُومِ الْمَاءَ، وَأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَأْوِيلِ الْمَازِرِيِّ قَالَ: وَلَوْلَا تَجْرِبَةُ أَسْمَاءَ وَالْمُسْلِمِينَ لِمَنْفَعَتِهِ مَا اسْتَعْمَلُوهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُمَّيَاتِ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا يَكُونُ عَنْ خَلْطِ بَارِدٍ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ عَنْ حَارٍّ وَفِيهِ يَنْفَعُ الْمَاءُ وَهِيَ حُمَّيَاتُ الْحِجَازِ وَعَلَيْهَا خُرِّجَ كَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلُهُ حَتَّى قَالَ «صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحَلَّلْ أَوْكِيَتُهُنَّ» فَتَبَرَّدَ وَخَفَّ حَالُهُ، وَذَلِكَ فِي أَطْرَافِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ أَنْ يُرَشَّ بَعْضُ جَسَدِ الْمَحْمُومِ أَوْ يُفْعَلَ بِهِ كَمَا كَانَتْ أَسْمَاءُ تَفْعَلُ، فَإِنَّهَا تَأْخُذُ مَاءً يَسِيرًا تَرُشُّ بِهِ فِي جَيْبِ الْمَحْمُومِ أَوْ يُنْضَحُ بِهِ وَجْهُهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَيُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النُّشْرَةِ الْجَائِزَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الطِّبِّ فَقَدْ يَنْفَعُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْحُمَّيَاتِ فَإِنَّ الْأَطِبَّاءَ قَدْ سَلَّمُوا أَنَّ الْحُمَّى الصَّفْرَاوِيَّةَ يُدَبَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute