للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَأَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا؛ لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَجَانِسَةٌ فَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِبَعْضٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ مُفْسِدًا لَهُ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ وَأَقْرَبُ طَرِيقَةٍ سَلَكَهَا مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ مِنْهُمْ أَنْ قَالُوا: لَا يَبْعُدُ أَنْ تَنْبَعِثَ جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ مِنْ الْعَائِنِ فَتَتَّصِلُ بِالْمُعَيَّنِ وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ فَيَخْلُقُ الْبَارِئُ عَزَّ وَجَلَّ الْهَلَاكَ عِنْدَهَا كَمَا يَخْلُقُ الْهَلَاكَ عِنْدَ شُرْبِ السَّمُومِ عَادَةً أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَتْ ضَرُورَةً وَلَا طَبِيعَةً أَلْجَأَ الْعَقْلَ إلَيْهَا.

وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمُعَيَّنَ إنَّمَا يَفْسُدُ وَيَهْلِكُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَخْلُقَ الضَّرَرَ عِنْدَ مُقَابَلَةِ هَذَا الشَّخْصِ لِشَخْصٍ آخَرَ، وَهَلْ ثَمَّ جَوَاهِرُ خَفِيَّةٌ أَوَّلًا هَذَا مِنْ مُجَوَّزَاتِ الْعُقُولِ لَا نَقْطَعُ فِيهَا بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا نَقْطَعُ بِنَفْيِ الْفِعْلِ عَنْهَا وَبِإِضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَطَعَ مِنْ أَطِبَّاءِ الْإِسْلَامِ بِانْبِعَاثِ الْجَوَاهِرِ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي قَطْعِهِ، وَإِنَّمَا التَّحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَفْصِيلِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَالتَّجْوِيزِ انْتَهَى.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ الْعَيْنُ حَقٌّ أَيْ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ حَقٌّ، وَأَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي النُّفُوسِ وَالطَّبَائِعِ، وَفِيهِ إبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنْ أَصْحَابِ الطَّبَائِعِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ إلَّا مَا تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ وَالْمَشَاعِرُ الْخَمْسَةُ، وَمَا عَدَاهَا فَلَا حَقِيقَةَ لَهُ (قُلْت) وَيَجُوزُ فِي لَفْظِ التَّأْثِيرِ وَمُرَادُهُ بِهِ مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ مِنْ حُصُولِ الضَّرَرِ فِي النُّفُوسِ وَالطَّبَائِعِ فَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ وَعَقِيدَتِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ ذَهَبَتْ الْفَلَاسِفَةُ إلَى أَنَّ مَا يُصِيبُ الْمُعَيَّنَ مِنْ جِهَةِ الْعَائِنِ إنَّمَا هُوَ صَادِرٌ عَنْ تَأْثِيرِ النَّفْسِ بِقُوَّتِهَا فِيهِ فَأَوَّلُ مَا تُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهَا، ثُمَّ تَقْوَى فَتُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهَا وَقِيلَ إنَّمَا هُوَ سُمٌّ فِي عَيْنِ الْعَائِنِ يُصِيبُ لَفْحُهُ الْعَيْنَ عِنْدَ التَّحْدِيقِ إلَيْهِ كَمَا يُصِيبُ لَفْحُ سُمِّ الْأَفْعَى مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ، وَهَذَا يَرُدُّهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ.

(الْأَوَّلُ) مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ.

(الثَّانِي) إبْطَالُ التَّوَلُّدِ وَيَقُولُونَ إنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ كَذَا كَذَا وَلَيْسَ يَتَوَلَّدُ شَيْءٌ مِنْ شَيْءٍ بَلْ الْمُوَلِّدُ وَالْمُتَوَلَّدُ عَنْهُ كُلُّ ذَلِكَ صَادِرٌ عَنْ الْقُدْرَةِ دُونَ وَاسِطَةٍ.

(الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يُصِيبُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ وَلَا مِنْ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ، وَلَوْ كَانَ بِرَسْمِ التَّوَلُّدِ لَكَانَتْ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً، وَلَبَقِيَتْ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهَا قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ كَقُوَّةِ سُمِّ الْأَفْعَى فَإِنَّهَا طَائِفَةٌ جَهِلَتْهُ قَدْ وَقَعَتْ عَلَى عَمِيَةٍ لَا عَلَى عَقْلٍ حَصَلَتْ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ دَخَلَتْ، وَلَا بِالطِّبِّ قَالَتْ، وَهَلْ سُمُّ الْأَفْعَى إلَّا جُزْءٌ مِنْهَا فَكُلُّهَا قَاتِلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>