. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قَوْلُهُ «لَا يَقْرُونَا» بِفَتْحِ الْيَاءِ يُقَالُ قَرَى الضَّيْفَ قِرًى بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ وَقَرَاءً بِفَتْحِ الْقَافِ مَمْدُودٌ.
(الثَّالِثَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ قِرَى الضَّيْفِ وَاجِبٌ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ أُخِذَتْ الضِّيَافَةُ مِنْ الْمُمْتَنِعِ قَهْرًا، وَقَدْ حُكِيَ الْقَوْلُ بِظَاهِرِهِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِوُجُوبِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ دُونَ أَهْلِ الْقُرَى وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَلَا يَصِلُ أَمْرُهَا إلَى الْوُجُوبِ وَلَا إلَى أَخْذِهَا مِنْ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا قَهْرًا وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ:
(أَحَدِهَا) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ فَإِنَّ ضِيَافَتَهُمْ وَاجِبَةٌ فَإِذَا لَمْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا حَاجَتَهُمْ مِنْ مَالِ الْمُمْتَنِعِينَ وَهَلْ هُوَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْأَوَّلِ وَحُكِيَ الثَّانِي عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
ذَكَرَ هَذَا الْجَوَابَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَحُكِيَ أَنَّ الذَّاهِبِينَ إلَى أَنَّهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ احْتَجُّوا «بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَنًا مِنْ غَنَمٍ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ فِيهَا عَبْدٌ يَرْعَاهَا وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ وَشَرِبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ فِي مَخْرَجِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ» .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ مِنْهُ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً» ، وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ (إذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِالْإِبِلِ، وَهُوَ عَطْشَانُ صَاحَ بِرَبِّ الْإِبِلِ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا حَلَبَ وَشَرِبَ) .
(الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ أَعْرَاضِهِمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَذْكُرُوا لِلنَّاسِ لُؤْمَهُمْ وَبُخْلَهُمْ وَالْعَتْبَ عَلَيْهِمْ وَذَمَّهُمْ حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا يَعُمُّ لِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَيْ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَخُصُّ قَالَ وَلَكِنَّهُ مَعَ خُصُوصِيَّتِهِ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَتْبَ وَاللَّوْمَ وَالذَّمَّ عِنْدَ النَّاسِ نَدَبَ الشَّرْعُ إلَى تَرْكِهِ لَا إلَى فِعْلِهِ.
(الثَّالِثُ) أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةٌ فَلَمَّا اتَّسَعَ الْإِسْلَامُ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» .
قَالُوا وَالْجَائِزَةُ تَفَضُّلٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَنْ حِكَايَةِ الْقَاضِي عِيَاضٍ لَهُ: وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ قَائِلُهُ لَا يُعْرَفُ.