. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَلَا يُسَمَّى الْإِنْسَانُ تَارِكًا لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يُتَوَهَّمُ قُدْرَتُهُ عَلَيْهِ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا» يَقْتَضِي أَنَّ السَّيِّئَاتِ لَا تُضَاعَفُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا فِي التَّنْزِيلِ فِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: ٣٠] وَذَلِكَ لِشَرَفِهِنَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِنَّ وَأَنَّ الْفَاحِشَةَ مِنْهُنَّ عَظِيمَةُ الْمَوْقِعِ لِشِدَّةِ تَأَذِّي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي سَيِّئَاتِ الْحَرَمِ.
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا» يَقْتَضِي أَنَّ السَّيِّئَاتِ لَا تُضَاعَفُ، أَيْ إنْ جَازِيَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا يُؤَاخِذُهُ بِهَا وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، أَوْ مَحَاهَا اللَّهُ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ» .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُعَلَّقًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا» وَوَصَلَهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ وَكَذَلِكَ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ تِسْعَةِ طُرُقٍ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْفَذَ الْوَعِيدَ عَلَى الْعُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَتَجَاوَزُ عَنْهَا إذَا شَاءَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلَامَهُ» .
أَيْ أَسْلَمَ إسْلَامًا حَقِيقِيًّا وَلَيْسَ كَإِسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ هَذَا مَعْرُوفٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ يَقُولُونَ حَسُنَ إسْلَامُ فُلَانٍ إذَا دَخَلَ فِيهِ حَقِيقَةً بِإِخْلَاصٍ وَسَاءَ إسْلَامُهُ، أَوْ لَمْ يَحْسُنْ إسْلَامُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَوْلُهُ «فَحَسُنَ إسْلَامُهُ» قَدْ فَسَّرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ «سُئِلَ مَا الْإِحْسَانُ؟ فَقَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ» أَرَادَ مُبَالَغَةَ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالطَّاعَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ لَهُ انْتَهَى.
وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا يَتَوَقَّفُ كَوْنُ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَر فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ مُبَالِغًا فِي الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالطَّاعَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ لَهُ بَلْ مُجَرَّدُ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعِبَارَةِ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَلَا يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ إلَّا عَنْ النِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ بَيَانُ مَا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ مِنْ كِتَابَةِ خَوَاطِرِهِمْ الْحَسَنَةِ دُونَ