وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» .
ــ
[طرح التثريب]
عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ وَزَادَ فِيهِ قَالَ «مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
(الثَّانِيَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَرَحُ اللَّهِ هُوَ رِضَاهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ (الْفَرَحُ) يَنْقَسِمُ عَلَى وُجُوهٍ (مِنْهَا) السُّرُورُ وَالسُّرُورُ يُقَارِنُهُ الرِّضَى بِالْمَسْرُورِ بِهِ قَالَ فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى تَوْبَةَ عَبْدِهِ أَشَدَّ مَا يَرْضَى وَاجِدُ ضَالَّتِهِ بِالْفَلَاةِ فَعَبَّرَ عَنْ الرِّضَى بِالْفَرَحِ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الرِّضَى فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَمُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِهِ انْتَهَى.
وَمَثَّلَ الْخَطَّابِيُّ إطْلَاقَ الْفَرَحِ عَلَى الرِّضَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: ٥٣] وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْفَرَحَ مُعْظَمُ السُّرُورِ وَغَايَتُهُ وَالسُّرُورُ عِبَارَةٌ عَنْ بَسْطِ الْوَجْهِ وَسَعَةِ الصَّدْرِ وَاسْتِنَارَةِ الْوَجْهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا مَثَلٌ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ سُرْعَةِ قَبُولِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَوْبَةِ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَأَنَّهُ يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَيُعَامِلُهُ مُعَامَلَةَ مَنْ يَفْرَحُ بِهِ وَوَجْهُ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّ الْعَاصِيَ حَصَلَ بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ فِي قَبْضَةِ الشَّيْطَانِ وَأَسْرِهِ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَإِذَا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ وَأَرْشَدَهُ إلَى التَّوْبَةِ خَرَجَ مِنْ شُؤْمِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ وَتَخَلَّصَ مِنْ أَسْرِ الشَّيْطَانِ وَمِنْ الْهَلَكَةِ الَّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا فَأَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَبَادَرَ إلَى ذَلِكَ مُبَادَرَةَ هَذَا الَّذِي قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ لَمَّا عَدِمَ رَاحِلَتَهُ وَزَادَهُ الَّذِي قَدْ انْتَهَى.
بِهِ الْفَرَحُ وَاسْتَفَزَّهُ السُّرُورُ إلَى أَنْ نَطَقَ بِالْمُحَالِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ لِشِدَّةِ سُرُورِهِ وَفَرَحِهِ وَإِلَّا فَالْفَرَحُ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِنَا مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ اهْتِزَازٌ وَطَرَبٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ ظَفَرِهِ بِغَرَضٍ يَسْتَكْمِلُ بِهِ الْإِنْسَانُ نُقْصَانَهُ وَيَسُدُّ بِهِ خَلَّتَهُ أَوْ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا، أَوْ نَقْصًا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute