. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ خَبْطٌ عَرِيضٌ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ اخْتِرَاعَاتِهِمْ الْبَاطِلَةِ الْمُنَابِذَةِ لِنُصُوصِ الشَّرْعِ.
(الثَّالِثَةُ) (فَإِنْ قُلْتُ) كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى «اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» وقَوْله تَعَالَى {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: ٧٢] وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْآيَاتِ الظَّاهِرَةِ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ (قُلْتُ) مَعْنَى الْآيَاتِ أَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ الْأَعْمَالِ، ثُمَّ التَّوْفِيقُ لِلْأَعْمَالِ وَالْهِدَايَةِ لِلْإِخْلَاصِ فِيهَا وَقَبُولِهَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ فَيَصِحُّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَيَصِحُّ أَنَّهُ دَخَلَ بِالْأَعْمَالِ أَيْ بِسَبَبِهَا وَهِيَ مِنْ الرَّحْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «بِمُنْجِيهِ» يَجُوزُ فِيهِ إسْكَانُ النُّونِ وَتَخْفِيفُ الْجِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ يُقَالُ نَجَاهُ وَأَنْجَاهُ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزِ وَالتَّضْعِيفِ.
(الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «سَدِّدُوا» هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ اُطْلُبُوا السَّدَادَ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَذَلِكَ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ لَا غُلُوَّ وَلَا تَقْصِيرَ وَقَوْلُهُ «وَقَارِبُوا» أَيْ إنْ عَجَزْتُمْ عَنْ السَّدَادِ فَقَارِبُوهُ أَيْ اقْرَبُوا مِنْهُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا» أَيْ وُجُوهُ الِاسْتِقَامَةِ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَى مُقَارِبَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ «وَقَارِبُوا» هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ سَدِّدُوا فِي الْأَعْمَالِ أَيْ اعْمَلُوهَا مُسَدَّدَةً لَا غُلُوَّ فِيهَا وَلَا تَقْصِيرَ وَقَارِبُوا فِي أَزْمَانِهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِيهَا قَصِيرٌ وَلَا طَوِيلٌ انْتَهَى.
وَمُقْتَضَاهُ مُسَاوَاةُ قَوْلِهِ وَقَارِبُوا لِقَوْلِهِ وَسَدِّدُوا فِي الْمَعْنَى وَعِبَارَةُ الْقَاضِي عِيَاضٍ بَعْدَ تَفْسِيرِ السَّدَادِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَعْنَى قَارِبُوا أَيْ اقْرَبُوا مِنْ الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ وَلَا تَغْلُوا فَدِينُ اللَّهِ سَمْحَةٌ حَنِيفِيَّةٌ انْتَهَى.
وَصَدْرُ كَلَامِهِ يُوَافِقُ كَلَامَ الْقُرْطُبِيِّ وَآخِرُهُ يُوَافِقُ كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ وَلَا أَنْتَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ كَأَنَّهُ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِظَمِ مَعْرِفَتِهِ بِاَللَّهِ وَكَثْرَةِ عِبَادَاتِهِ أَنَّهُ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَأَخْبَرَ أَنَّهُ عَنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ لَا يَسْتَغْنِي.
(السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ» أَيْ يُلْبِسُنِيهَا وَيَغْمُرُنِي فِيهَا وَمِنْهُ غَمَدْتُ السَّيْفَ وَأَغْمَدْتُهُ إذَا جَعَلْته فِي غِمْدِهِ وَسَتَرْتُهُ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute