للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

نَعَمْ، قَالَ فِيمَ تَلُومُنِي فِي شَيْءٍ سَبَقَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الْقَضَاءُ قَبْلِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ فَحَجَّ آدَم مُوسَى فَحَجَّ آدَم مُوسَى» وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابَ تَحَاجِّ آدَم وَمُوسَى عِنْدَ اللَّهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ «عِنْدَ رَبِّهِمَا» وَهِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ تَحَاجُّهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا التَّحَاجُّ فِي الدُّنْيَا وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ مِنْ عِنْدِ أَبِي دَاوُد (قُلْتُ) وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ اخْتِصَاصٍ وَتَشْرِيفٍ لَا عِنْدِيَّةُ مَكَان لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ تَعَالَى «إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهْرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» أَيْ فِي مَحَلِّ التَّشْرِيفِ وَالْإِكْرَامِ وَالِاخْتِصَاصِ انْتَهَى.

وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «أَغْوَيْتَ النَّاسَ» أَيْ كُنْت سَبَبًا لِإِغْوَاءِ مَنْ غَوَى مِنْهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ الْجَنَّةِ وَتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَالْغَيُّ: الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ، وَهُوَ ضِدُّ الرُّشْدِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦] ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْغَيِّ الْخَطَأُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] أَيْ أَخْطَأَ صَوَابَ مَا أُمِرَ بِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ جَوَازُ إطْلَاقِ نِسْبَةِ الشَّيْءِ إلَى مَنْ لَهُ تَسَبُّبٌ فِيهِ.

(الرَّابِعَةُ) وَقَوْلُهُ «وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ» الْمُرَادُ بِهَا جَنَّةُ الْخُلْدِ وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مِنْ قَبْلِ آدَمَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهَا جَنَّةٌ أُخْرَى غَيْرُهَا وَقَالُوا إنَّ جَنَّةَ الْجَزَاءِ لَمْ تُخْلَقْ إلَى الْآنَ وَلَكِنَّهَا تُخْلَقُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُبْطِلُ قَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ» عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَقَدْ قَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - (إنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُرَادُ مِمَّا عَلَّمَك وَقِيلَ يَحْتَمِلُ مِمَّا عُلِّمَهُ الْبَشَرُ (قُلْت) لَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَّمَهُ إيَّاهُ وَهَذَا غَنِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>