للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ وَمَا مُسْتَنَدُ الْعَادِلِينَ عَنْهُ إلَّا كَلَامُ أَهْلِ الْهَيْئَةِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ قَوْلِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْأَخْبَارِ عَنْ الْمَغِيبَاتِ فَكَيْفَ، وَقَدْ عَارَضَهُ كَلَامُ أَصْدَقِ الْخَلْقِ وَأَعْرَفِهِمْ بِرَبِّهِ وَبِأَحْوَالِ الْغَيْبِ، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ لَيْسَتْ حُجَّةً عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَيْفَ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ فِي الْمَعْنَى لِلْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: ٣٨] قَالَ مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ» فَكَيْفَ يَجُوزُ مَعَ هَذَا التَّفْسِيرِ الْبَيِّنِ الْعُدُولُ عَنْهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْتِقْرَارٌ مَا تَحْتَ الْعَرْشِ مِنْ حَيْثُ لَا نُدْرِكُهُ وَلَا نُشَاهِدُهُ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ غَيْبٍ فَلَا نُكَذِّبُهُ وَلَا نُكَيِّفُهُ لِأَنَّ عِلْمَنَا لَا يُحِيطُ بِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ عِلْمَ مَا سُئِلْت عَنْهُ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فِي كِتَابٍ كُتِبَ فِيهِ مَبَادِئِ أُمُورِ الْعَالَمِ وَنِهَايَتِهَا، وَالْوَقْتِ الَّذِي تَنْتَهِي إلَيْهِ مُدَّتُهَا فَيَنْقَطِعُ دَوَرَانُ الشَّمْسِ وَيَسْتَقِرُّ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ فِعْلُهَا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَخْطُوطُ الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ أَحْوَالَ الْخَلْقِ، وَالْخَلِيقَةِ وَآجَالَهُمْ وَمَآلَ أُمُورِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ انْتَهَى.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ كَثُرَتْ أَقْوَالُ النَّاسِ فِي مَعْنَى مُسْتَقَرِّ الشَّمْسِ وَأَشْبَهُ مَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ انْتِهَائِهَا إلَى أَنْ تَسَامَتْ جُزْءًا مِنْ الْعَرْشِ مَعْلُومًا بِحَيْثُ تُخْضَعُ عِنْدَهُ وَتُذَلَّلُ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِسُجُودِهَا وَتَسْتَأْذِنُ فِي سَيْرِهَا الْمُعْتَادِ لَهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مُتَوَقَّعَةً أَلَا يُؤْذَنَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَأَنْ تُؤْمَرَ بِالرُّجُوعِ مِنْ حَيْثُ جَاءَتْ وَبِأَنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِنْ كَانَتْ الشَّمْسُ تَعْقِلُ نُسِبَ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْقِلُ فَعَلَ ذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِهَا.

(الرَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِمَنْ تَأَوَّلَهُ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ (الْخَامِسَةُ) مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَنْفَعُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا الْإِيمَانُ وَأَنَّ الْعَاصِيَ لَا يَنْفَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّوْبَةُ وَاكْتِسَابُ الْخَيْرِ بَلْ يُخْتَمُ عَلَى أَحَدٍ بِالْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ قَوْلُهُ {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: ١٥٨] يُرِيدُ جَمِيعَ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا.

(السَّادِسَةُ) سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ قِيَامِ السَّاعَةِ وَبُدُوِّ التَّغَيُّرَاتِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ فَإِذَا شُوهِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>