. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
بِالصَّاعِ وَيَتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ» ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْفَرَقِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَا اسْتَعْمَلَاهُ بِجُمْلَتِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَسِلَانِ مِنْهُ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي قَالَتْ فِيهَا «حَتَّى يَقُولَ دَعِي لِي وَأَقُولُ دَعْ لِي» فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا أَنَّهُمَا اسْتَكْمَلَا مَاءَ ذَلِكَ الْإِنَاءِ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرٌ لِلْفَرَقِ أَصْلًا وَإِنَّمَا قَالَتْ فِيهِ «مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» فَلَعَلَّ هَذِهِ الْمَرَّةَ كَانَ اسْتِعْمَالُهُمَا لِلْإِنَاءِ الَّذِي يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْمُدِّ حَقِيقَةً وَأَنَّهُمَا اغْتَسَلَا مِنْهُ جَمِيعًا وَلَمْ يَزِيدَاهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا وَإِنْ جَوَّزْنَا اسْتِكْمَالَ الْفَرَقِ فِي اغْتِسَالِهِمَا فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأَمْدَادِ؛ لِأَنَّ كَانَ لَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا عَلَى التَّكْرَارِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَنَّهُ زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ وَاطَّلَعَتْ عَائِشَةُ عَلَى ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اطِّلَاعِهَا عَلَى اغْتِسَالِهِ فَهِيَ أَعْرَفُ مِنْ أَنَسٍ بِذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ: إنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا اغْتِسَالَاتٌ فِي أَحْوَالٍ حَدَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَثِيرَهَا وَفِي بَعْضِهَا قَلِيلَهَا وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي قِلَّةِ مَاءِ الطَّهَارَةِ بَلْ الْوَاجِبُ الِاسْتِيعَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ يُدَقِّقُ الْفَقِيهُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي وَيَخْرِقُ الْأَخْرَقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يَكْفِي انْتَهَى إلَّا أَنَّ مِمَّا يَسْتَشْكِلُ مِنْ ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيكَ وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ» فَإِنَّ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ الْمَكَاكِيكَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ رِطْلًا وَرُبُعُ رِطْلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمَكُّوكَ ثَلَاثُ كِيلَجَاتٍ وَالْكِيلَجَةُ مَنٌّ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ مَنٍّ، وَالْمَنُّ رِطْلَانِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ غَيْرِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ أَنَّ الْمَكُّوكَ مِكْيَالٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ يَسَعُ صَاعًا وَنِصْفَ صَاعٍ بِالْمَدَنِيِّ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْمَكَاكِيكُ الْخَمْسَةُ أَرْبَعِينَ رِطْلًا لَا جَرَمَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكُّوكِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُدُّ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ مِقْدَارَ الْمَكُّوكِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بَلْ قَالَ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَكُّوكِ هُنَا الْمُدُّ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّحْدِيدِ فِي مَاءِ الطَّهَارَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ فِيهِ قَدْرُ ثُلُثَيْ مُدٍّ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute