للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

وَأَمَّا إرْسَالُهُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً فَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨] قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْفُلْكِ كَانَ مَبْعُوثًا إلَى كُلِّ أَهْلِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مَعَهُ، وَقَدْ كَانَ مُرْسَلًا إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ فِي الرِّسَالَةِ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ الْبَعْثَةِ وَإِنَّمَا وَقَعَ لِأَجْلِ الْحَادِثِ الَّذِي حَدَثَ، وَهُوَ انْحِصَارُ الْخَلْقِ فِي الْمَوْجُودِينَ بِهَلَاكِ سَائِرِ النَّاسِ.

وَأَمَّا نَبِيُّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَعُمُومُ رِسَالَتِهِ فِي أَصْلِ الْبَعْثَةِ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَعْثَةُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَامَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّوْحِيدِ لَا إلَى الْفُرُوعِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ خُتِمَ بِهِ النَّبِيُّونَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَبْعَثُ بَعْدَهُ نَبِيًّا.

وَأَمَّا نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ بِتَقْرِيرِ شَرِيعَتِهِ مُلْتَزِمًا لِأَحْكَامِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِنُبُوَّةِ الْخَضِرِ وَأَنَّهُ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ فَهُوَ تَابِعٌ لِأَحْكَامِ هَذِهِ الْمِلَّةِ وَكَذَلِكَ إلْيَاسُ أَيْضًا عَلَى مَا صَحَّحَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ حَيٌّ أَيْضًا وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَيَاتِهِمَا وَلَا فِي التَّنْصِيصِ عَلَى وَفَاتِهِمَا حَدِيثٌ إلَّا قَوْلُهُ أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَوْتِ الْخَضِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الصُّوفِيَّةِ مِنْ أَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ اللَّهُ بَعْدَ نَبِيِّنَا نَبِيًّا آخَرَ فَهَذَا قَوْلٌ مُنَابِذٌ لِلشَّرِيعَةِ وَمُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُشْتَهِرَةِ، وَقَائِلُ هَذَا يَبْعُدُ أَنْ يُعَدَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا هُمْ زَنَادِقَةٌ يَتَسَتَّرْنَ بِزِيِّ بَعْضِ أَهْلِ الطَّوَائِفِ.

وَأَمَّا جَعْلُ صُفُوفِ أُمَّتِهِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ إتْمَامُ الصُّفُوفِ الْأُوَلِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ يُتِمُّونَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» وَهَذَا أَيْضًا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَانَتْ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ يُصَلُّونَ مُنْفَرِدِينَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى حُصُولَ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ جَمَعَهُمْ «فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهِمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ» كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ وَفِيهِ «ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِي الْأَنْبِيَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>