. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْحَدِيثَ الْمُضْطَرِبَ إنَّمَا تَتَسَاقَطُ الرِّوَايَاتُ إذَا تَسَاوَتْ وُجُوهُ الِاضْطِرَابِ أَمَّا إذَا تَرَجَّحَ بَعْضُ الْوُجُوهِ فَالْحُكْمُ لِلرِّوَايَةِ الرَّاجِحَةِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهَا رِوَايَةُ مَنْ خَالَفَهَا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ رِوَايَةَ أُولَاهُنَّ أَرْجَحُ مِنْ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّهُ رَوَاهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ثَلَاثَةٌ، هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ فَتَتَرَجَّحَ بِأَمْرَيْنِ: كَثْرَةُ الرُّوَاةِ وَتَخْرِيجُ أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ لَهَا وَهُمَا مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أُخْرَاهُنَّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالرَّاءِ فَلَا تُوجَدُ مُنْفَرِدَةً مُسْنَدَةً فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرَ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ رَوَاهَا خِلَاسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيهِ إلَّا أَنَّهَا رُوِيَتْ مَضْمُومَةً مَعَ أُولَاهُنَّ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا رِوَايَةُ السَّابِعَةِ بِالتُّرَابِ فَهِيَ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَاهَا، فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَتَادَةُ وَانْفَرَدَ بِهَا أَبُو دَاوُد، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا عَلَى قَتَادَةَ فَقَالَ إبَّانُ عَنْهُ هَكَذَا، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْهُ الْأُولَى بِالتُّرَابِ فَوَافَقَ الْجَمَاعَةَ رَوَاهُ كَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةِ أُولَاهُنَّ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ إحْدَاهُنَّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالدَّالِ فَلَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَإِنَّمَا رَوَاهَا الْبَزَّارُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ فَقَدْ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ أَذْكُرُهُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ لَا تَخْلُوَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَجْمُوعَةً مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ أَوْ هُوَ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَتْ مَجْمُوعَةً مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ دَالٌّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا وَيَتَرَجَّحُ حِينَئِذٍ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ التَّقْيِيدِ بِهِمَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى أَوْ السَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ حُفِظَ مَرَّةً فَاقْتُصِرَ عَلَيْهَا وَحُفِظَ هَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُولَى، وَالْأُخْرَى فَكَانَ أَوْلَى. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَكًّا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَالتَّعَارُضُ قَائِمٌ وَيَرْجِعُ إلَى التَّرْجِيحِ فَتُرَجَّحُ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي رِوَايَتِهِ أُولَاهُنَّ أَوْ قَالَ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ شَكَّ فِيهِ فَيَتَرَجَّحُ حِينَئِذٍ تَعْيِينُ الْأُولَى وَلَهَا شَاهِدٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ خِلَاسٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute