«وَاشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَتْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» .
ــ
[طرح التثريب]
«اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَتْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفْسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» فِيهِ فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ لِكَوْنِهِ صَرَّحَ فِيهِ بِشَكْوَى النَّارِ إلَى رَبِّهَا مِنْ أَكْلِ بَعْضِهَا بَعْضًا وَإِذْنِهِ لَهَا بِنَفْسَيْنِ، وَأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ ذَلِكَ النَّفَسِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَلَوْ حَمَلْنَا شَكْوَى النَّارِ عَلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهَا فِي التَّنَفُّسِ وَنَشْأَةِ شِدَّةِ الْحَرِّ عَنْهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّجَوُّزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِيَةُ) إنْ قُلْت: قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ؛ لِأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ بَعْضُهَا أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ إلَّا مَا هُوَ أَشَدُّ.
(قُلْت) لَا يُرَادُ بِأَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَرِّ التَّحْقِيقُ، فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي بَعْضِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا يُؤْمَرُ حِينَئِذٍ بِالْإِبْرَادِ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِذَلِكَ التَّقْرِيبُ فَمَا قَارَبَ مَا هُوَ أَشَدُّ جُعِلَ مِنْ الْأَشَدِّ أَوْ يُرَادُ الْأَشَدُّ الَّذِي يَكُونُ غَالِبًا دُونَ الْأَشَدِّ الَّذِي لَا يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا فَيَسْتَوِي حِينَئِذٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شِدَّةُ الْحَرِّ وَأَشَدُّ الْحَرِّ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَمَا كَانَ مِنْ بَرْدٍ يُهْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا، وَمَا كَانَ مِنْ سَمُومٍ يُهْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ حَرِّهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالشِّدَّةُ أَيْ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ انْتَهَى فَبَيَّنَ هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ ضَابِطَ شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَالْحَرِّ مَا يُهْلِكُ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
" الثَّالِثَةُ " كَوْنُ شِدَّةِ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ هَلْ اقْتَضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute