للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

فُضْلَى قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ احْتِمَالَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] .

أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ يَدُلُّ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذْ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ، وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى يَدُلُّ عَلَى صَلَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ جَوْهَرِ اللَّفْظِ إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَالْأُخْرَى مِنْ لَازِمِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا وَسَطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا حَتَّى تَصِيرَ خَمْسَةً فَيَكُونُ لَهَا وَسَطٌ.

(ثَانِيهِمَا) أَنَّ قَوْلَهُ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ يَتَنَاوَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَقَوْلَهُ: وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شَرَفِهِ، وَالِاهْتِمَامِ بِهِ، وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ ذَكَرَهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ، وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ إذَا عُقِّبَ بِذِكْرِ مَنْ كَانَ مِنْ حَقِّ الْعُمُومِ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ هَلْ يَدُلُّ هَذَا التَّخْصِيصُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ إذَا لَوْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِفْرَادِ فَائِدَةٌ أَوْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ وَفَائِدَتُهُ التَّأْكِيدُ وَمَثَّلَ لَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ قَوْمٌ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَقَالَ آخَرُونَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ قَالَ: «إنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا تُلِيَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفَجْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَصَارَتْ الصُّبْحَ وَفُدِيَ إِسْحَاقُ عِنْدَ الظُّهْرِ فَصَلَّى إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرْبَعًا فَصَارَتْ الظُّهْرَ وَبُعِثَ عُزَيْرٌ فَقِيلَ كَمْ لَبِثْت فَقَالَ يَوْمًا فَرَأَى الشَّمْسَ فَقَالَ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَصَلَّى أَرْبَعًا فَصَارَتْ الْعَصْرَ وَغُفِرَ لِدَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ الْمَغْرِبِ فَقَامَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَجُهِدَ فَجَلَسَ فِي الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ الْمَغْرِبُ ثَلَاثًا وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَلِذَلِكَ قَالُوا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ.

قَالَ الطَّحَاوِيُّ فَهَذَا عِنْدَنَا مَعْنًى صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ أُولَى الصَّلَوَاتِ إنْ كَانَتْ الصُّبْحُ وَآخِرَهَا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ فَالْوُسْطَى فِيمَا بَيْنَ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةِ، وَهِيَ الْعَصْرُ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذِكْرُ الْوُسْطَى إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّوَسُّطُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الزَّمَانِ فَأَمَّا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، فَإِنَّ حُكْمَ الصَّلَوَاتِ فِيهَا وَاحِدٌ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُرَاعَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْعَدَدَ أَدَّى إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>