. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَهُوَ تَلَاعُبٌ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَهْيَ التَّنْزِيهِ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصِّحَّةَ كَنَهْيِ التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَطْلُوبًا مَنْهِيًّا وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَا كَانَ مَطْلُوبًا.
(الْعَاشِرَةُ) حَمَلَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا النَّهْيَ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي صُورَةِ الِاسْتِوَاءِ عَلَى عُمُومِهِ فَطُرِدَ النَّهْيُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَوْ كَانَتْ فَرِيضَةً فَائِتَةً، وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ سَبَبٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَلَوْ صَبَّحَ يَوْمَهُ فَلَوْ أَخَّرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ حَتَّى شَرَعَتْ الشَّمْسُ فِي الطُّلُوعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْتَدِئَهَا حَتَّى يَتِمَّ طُلُوعُهَا وَتَرْتَفِعَ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَصْرُ يَوْمِهِ فَقَالُوا لَهُ فِعْلُهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا، أَتَمَّ وَقَالُوا إنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَيْنِك الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ حَقُّ الْفَرْضِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ لَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمُقَدَّمَةِ.
وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّاةِ فِيهَا مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ مَنَعُوا الصُّبْحَ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَمُنِعَ الْعَصْرُ أَيْضًا ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَامَ فِي بُسْتَانٍ عَنْ الْعَصْرِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى.
وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فَأَمَّا مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ أَوْ مُقَارِنٌ لَهُ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ، وَهَذَا كَالْفَائِتَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ أَوْ مِنْ النَّوَافِلِ الَّتِي اتَّخَذَهَا الْإِنْسَانُ وِرْدًا لَهُ وَكَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالشُّكْرِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِيهَا فِي بَابِهَا، وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ إذَا دَخَلَ لِغَرَضٍ غَيْرِ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَلَوْ دَخَلَ لَا لِحَاجَةٍ بَلْ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ فَقَطْ فَفِيهِ وَجْهَانِ.
ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّ أَقْيَسَهُمَا الْكَرَاهَةُ وَشَبَّهَا ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute