. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْإِجْمَاعَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْجَوَازُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ دُونَ مَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ فِي النَّظَرِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ خَبَرٍ ثَابِتٍ وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ انْتَهَى، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ خِيفَ ذَلِكَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ أَرْبَابَ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ جَوَّزُوا فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ مَا لَهُ سَبَبٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ جَوَّزُوا ذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَهُمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ.
وَجَوَّزَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ مَا لَهُ سَبَبٌ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْهُ إلَّا فِيهَا، فَإِنْ تَذَكَّرَهُ قَبْلَهَا فَتَعَمَّدَ تَأْخِيرَهُ إلَيْهَا لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ» وَتَمَسَّكَ فِي ذَلِكَ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَبِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَهَذَا مُخْتَصَرٌ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ «مَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدُ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ حَدِيثَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ نُقِلَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَعْضِ ذَوَاتِ السَّبَبِ وَبَعْضِهَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ بَعْضِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَبَعْضِهَا فَالْوَاجِبُ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّا فَهِمْنَا مِنْ نَفْسِ الشَّرْعِ تَخْصِيصَ النَّهْيِ بِغَيْرِ ذَاتِ السَّبَبِ فَطَرَدْنَا الْحُكْمَ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَتَحَرَّى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْمَرْءُ صَلَاةَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا صَلَاةَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِهَا، ثُمَّ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute