للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

لِأَنَّهَا أَوْلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ مُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ وَجَبَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَشَقَّ وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ نِهَايَةٍ يَنْقَضِي حُكْمُهَا بِوُجُودِهَا، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ النِّهَايَةُ عَدَدًا مَخْصُوصًا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَجِبُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فَجُعِلَتْ نِهَايَتُهَا خُرُوجَ أَشْيَاءَ مِنْ الْبَدَنِ مُسْتَقْذَرَةٍ جَرَتْ الْعَادَاتُ الْحَسَنَةُ بِاجْتِنَابِهَا وَإِزَالَتِهَا وَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ أَحْدَاثًا ثُمَّ كَانَ زَوَالُ الْعَقْلِ يُزِيلُ التَّكْلِيفَ وَهُوَ مَظِنَّةُ خُرُوجِ الرَّائِحَةِ وَلَا يَخْلُو فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ عَنْ اقْتِرَانِ نَدَاوَةٍ بِهَا فَحُسِمَ الْبَابُ وَأُلْحِقَتْ بِالْغَائِطِ وَنَحْوِهِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ يُزِيلُ التَّكْلِيفَ وَهُوَ أَشْنَعُ الْأَشْيَاءِ وَأَفْظَعُهَا فَأُلْحِقَ لِذَلِكَ بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الطَّهَارَةَ إنَّمَا تَقَعُ بِمَا يُتَنَظَّفُ بِهِ، وَالْخَارِجُ مِنْ الْبَدَنِ إمَّا مُسْتَخْبَثٌ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ أَوْ غَيْرُ مُسْتَخْبَثٍ كَالْعَرَقِ وَالْبُزَاقِ وَنَحْوِهِمَا فَاخْتَصَّتْ بِخُرُوجِ الْمُسْتَخْبَثِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى التَّنْظِيفِ مِنْهُ قَالَ: ثُمَّ إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - نَبَّهَنَا بِمَا أَمَرَنَا بِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْآثَامِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْبَدَنِ مُسْتَخْبَثٌ كَالْمَعْصِيَةِ وَغَيْرُ مُسْتَخْبَثٍ كَالطَّاعَةِ فَانْقَسَمَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ قِسْمَيْنِ كَانْقِسَامِ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَفْعَالِ الْبَدَنِ قِسْمَيْنِ وَكَانَ التَّطْهِيرُ لَازِمًا لِلْمَذْمُومِ مِنْهُمَا فِي النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ رَبْطَ الطَّهَارَةِ بِالْأَحْدَاثِ عِبَادَةٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهَا قَالَ وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الشَّرِيعَةِ إلَى أَنَّ فِي تَعْلِيقِهَا بِالْأَحْدَاثِ مَعْنًى مَعْقُولًا فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ صَحِيحًا انْتَهَى.

وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الْقَفَّالِ وَذَكَرَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ مُسْتَقَرَّ الشَّيْطَانِ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فِي مَوْضِعِ الْفُضُولِ فَإِذَا خَرَجَ رِيحُ الْفُضُولِ أَوْ بَلَّتُهُ فَهُوَ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ وَلِذَلِكَ نَجَسَ بِنَجَاسَةِ الشَّيْطَانِ وَكُفْرِهِ فَمَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ لَزِمَ مِنْهُ التَّطْهِيرُ وَلِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَأَوْجَبَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ لِنَجَاسَتِهِ، وَإِنَّمَا نَجَسَ لِكَوْنِهِ مِنْ مُسْتَقَرِّ الشَّيْطَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ النِّصْفِ الْأَعْلَى مِنْ النُّخَامَةِ وَالْبَلْغَمِ وَالْبُصَاقِ لَيْسَ نَجِسًا وَالدَّمُ وَالْعُذْرَةُ وَالْبَوْلُ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ وَمَجْلِسِهِ فَهُوَ نَجِسٌ بِنَجَاسَتِهِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ خَرَجَ وَلَا يُنْظَرُ مِنْ أَيِّ حَدٍّ خَرَجَ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ مِنْ أَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>