. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ وَجَبَ جَعْلُ بَعْضِهِ عَلَى عَاتِقِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ» وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَعَلَ النَّهْيَ هُنَا لِلتَّحْرِيمِ وَالْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَاتِقِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى السُّتْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَجَعَلَهُ شَرْطًا وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ يَأْثَمُ بِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ رِدَاءٍ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ صَحَابِيٍّ أَنَّهُ كَانَ إذَا لَمْ يَجِدْ رِدَاءً وَضَعَ عَلَى عَاتِقِهِ عِقَالًا ثُمَّ صَلَّى وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ إعْرَاءَ الْمَنَاكِبِ فِي الصَّلَاةِ.
وَاخْتَارَ الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وُجُوبَ ذَلِكَ وَحَكَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لَكِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ مُتَأَكِّدٌ بِحَيْثُ يُكْرَهُ تَرْكُهُ وَحَمَلُوا النَّهْيَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ إذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاحْتَمَلَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَلِّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ فَلَمَّا حَكَى جَابِرٌ مَا وَصَفْت وَحَكَتْ «مَيْمُونَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ بَعْضُهُ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُ عَلَيْهَا» دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيمَا صَلَّى فِيهِ مُؤْتَزِرًا بِهِ لَا يَسْتُرُهُ أَبَدًا إلَّا مُؤْتَزِرًا إذَا كَانَ بَعْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ؟
فَعَلِمْنَا أَنَّ نَهْيَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ اخْتِيَارٌ انْتَهَى.
وَأَخَذَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِظَاهِرِ حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا وَقَالَ بِالْوُجُوبِ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَحَمَلَ الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ وَاسِعًا وَأَجَازَ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الضَّيِّقِ مِنْ غَيْرِ جَعْلِ شَيْءٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute