. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ صَرِيحًا فِي مُخَالَفَةِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِيهِ «فَمَرَرْت بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ» وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْأَتَانِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَالْإِمَامُ سُتْرَةٌ لِلْمَأْمُومِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ عَلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ (سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ فَيَقْتَضِي) أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِ إلَى غَيْرِ جِدَارٍ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ سُتْرَةٌ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ «إلَى غَيْرِ جِدَارٍ» أَنَّ الْمُرَادَ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
{الثَّالِثَةُ} إذَا قُلْنَا لَا يُصَارُ لِلنَّسْخِ حَتَّى يُعْرَفَ التَّارِيخُ وَيَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَمْ يُنْقَلُ تَارِيخُ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ تَأَخُّرَهُ فَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُتَأَوَّلَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْخَاصَ إذَا مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي قَطَعَتْهُ عَنْ الذِّكْرِ وَشَغَلَتْ قَلْبَهُ عَنْ مُرَاعَاةِ الصَّلَاةِ فَذَلِكَ مَعْنَى قَطْعِهَا لِلصَّلَاةِ دُونَ إبْطَالِهَا مِنْ أَصْلِهَا حَتَّى يَكُونَ فِيهَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ.
وَمَا حَكَاه الْخَطَّابِيُّ احْتِمَالًا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا الْقَطْعَ عَلَى قَطْعِ الذِّكْرِ وَالْخُشُوعِ.
وَحَكَى صَاحِبَ الْمُفْهِمِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي الْخَوْفِ عَلَى قَطْعِهَا وَإِفْسَادِهَا بِالشُّغْلِ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْتِنُ وَالْحِمَارَ يَنْهَقُ وَالْكَلْبَ يُرَوِّعُ فَيُشَوَّشُ الْفِكْرُ فِي ذَلِكَ حَتَّى تَنْقَطِعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَتَفْسُدَ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ آيِلَةً إلَى الْقَطْعِ جَعَلَهَا قَاطِعَةً كَمَا قَالَ لِلْمَادِحِ قَطَعْت عُنُقَ أَخِيك أَيْ فَعَلْت بِهِ فِعْلًا يُخَافُ هَلَاكُهُ مِنْهُ كَمَنْ قُطِعَ عُنُقُهُ.
{الرَّابِعَةُ} حَمَلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ قَطْعِ الْمَرْأَةِ الصَّلَاةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْحَائِضُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ ٣ الْمُفْهِمِ فِي الْحَائِضِ بِمَا تَسْتَصْحِبُهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ شُعْبَةُ قَالَ «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ» لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَصَرَّحَ ابْنُ مَاجَهْ بِقَوْلِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَقَفَهُ سَعِيدٌ وَهِشَامٌ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ «كُنْت بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» قَالَ شُعْبَةُ وَأَحْسَبُهَا قَالَتْ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد أَحَدَ عَشَرَ رَوَوْهُ لَمْ يَذْكُرُوا «وَأَنَا حَائِضٌ» وَهَذَا وَإِنْ اخْتَلَفَ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute