للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

قَدْ مَرَّ مِنْ اللَّيْلِ طَوِيلٌ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ طَوِيلٌ فَإِذَا قَامَ فَتَوَضَّأَ اسْتَبَانَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَانْحَلَّ مَا كَانَ عَقَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْغُرُورِ وَالِاسْتِدْرَاجِ فَإِذَا صَلَّى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ انْحَلَّتْ الْعُقْدَةُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصْغِ إلَى قَوْلِهِ وَيَئِسَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ وَالْقَافِيَةُ هِيَ مُؤَخِّرُ الرَّأْسِ وَفِيهِ الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ فَعَقْدُهُ فِيهِ إثْبَاتُهُ فِي فَهْمِهِ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ لَيْلٌ طَوِيلٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَرَأَيْت لِبَعْضِ مَنْ فَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْعُقَدُ الثَّلَاثُ هِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ وَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ أَنَّهُ يَكْثُرُ نَوْمُهُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَبِمَا أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْعُقَدِ فَقِيلَ هُوَ عَقْدٌ حَقِيقِيٌّ بِمَعْنَى عُقَدِ السِّحْرِ لِلْإِنْسَانِ وَمَنْعِهِ مِنْ الْقِيَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: ٤] فَعَلَى هَذَا هُوَ قَوْلٌ يَقُولُهُ يُؤَثِّرُ فِي تَثْبِيطِ النَّائِمِ كَتَأْثِيرِ السِّحْرِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا يَفْعَلُهُ كَفِعْلِ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي نَفْسِهِ وَيُحَدِّثُهُ بِأَنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا فَتَأَخَّرْ عَنْ الْقِيَامِ وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ كُنِّيَ بِهِ عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ انْتَهَى.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَعْنَى الْمَحْكِيَّ عَنْ الْمُهَلَّبِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْعُقَدَ بِثَلَاثٍ لِأَنَّ أَغْلَبَ مَا يَكُونُ انْتِبَاهُ النَّائِمِ فِي السَّحَرِ فَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ أَنْ يَسْتَيْقِظَ وَيَرْجِعَ إلَى النَّوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُنْقَضْ النَّوْمَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْغَالِبِ إلَّا وَالْفَجْرُ قَدْ طَلَعَ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ تَثْقِيلَهُ فِي النَّوْمِ وَإِطَالَتَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شِدَادًا وَعَقَدَهُ ثَلَاثَ عُقَدٍ.

(الثَّالِثَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْطَانِ هُنَا جِنْسُ الشَّيْطَانِ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ إبْلِيسُ.

(الرَّابِعَةُ) ذَكَرَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّ الْقَافِيَةَ الْقَفَا ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَقِيلَ قَافِيَةُ الرَّأْسِ مُؤَخِّرُهُ وَقِيلَ وَسَطُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْقَافِيَةُ آخِرُ الرَّأْسِ وَقَافِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرُهُ وَمِنْهُ قَافِيَةُ الشَّعْرِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْقَافِيَةُ مُؤَخَّرُ الرَّأْسِ وَفِيهِ الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ.

(الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ وَيَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ، لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَضْرِبْ بِيَدِهِ عَلَى مَكَانِ الْعُقَدِ تَأْكِيدًا لَهَا وَإِحْكَامًا أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ سِحْرِهِ وَفِي فِعْلِهِ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ وَلَهُ تَأْثِيرٌ يَعْلَمُهُ هُوَ.

(ثَانِيهِمَا) أَنَّ الضَّرْبَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>