. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مِنْ حَمْلِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَنْحَلُّ بِهَا عُقْدَةُ الشَّيْطَانُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ «فَإِنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ» الْحَدِيثَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ حَالِ مَنْ لَمْ يَقُمْ إلَى صَلَاتِهِ وَضَيَّعَهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الْقِيَامُ إلَى صَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ إلَى نَافِلَتِهِ مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ وَنَوْمِهِ صَدَقَةً عَلَيْهِ» وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢] الْآيَةَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إلَيْنَا وَقَالَ لَهُ بِلَالٌ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك» وَفِي هَذَا كُلِّهِ الْعُذْرُ الْبَيِّنُ وَالْمَخْرَجُ الْوَاسِعُ لِمَنْ غَلَبَهُ نَوْمُهُ عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ الْحَدِيثَ نَدَبَ إلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا إلَى أَنْ لَا يَطْلُعَ الْفَجْرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ إلَّا وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ وَتَأَهَّبَ بِالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى.
وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي الصَّلَاةِ الْمُرَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوْ الصُّبْحُ أَوْ تَهَجُّدُ اللَّيْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ثَالِثُهَا) أَطْلَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ بِأَهْلِ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا قِيَامُ اللَّيْلِ عَلَى أَصْحَابِ الْقُرْآنِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ أَنَّهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَا يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَدْ اسْتَظْهَرَ الْقُرْآنَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَلَا يَقُومُ بِهِ إنَّمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ ذَاكَ، إنَّمَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ قِيلَ لَهُ قَالَ اللَّهُ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: ٢٠] قَالَ نَعَمْ وَلَوْ خَمْسِينَ آيَةً وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَيُقَالُ لِمَنْ أَوْجَبَ الْقِيَامَ بِاللَّيْلِ فَرْضًا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: ٢٠] خَبَرُنَا عَنْهُ إذَا لَمْ يَخِفَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ أَنْ يَقْرَأَ بِشَيْءٍ هَلْ يُوجَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَخِفَّ وَيَتَيَسَّرْ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكَلُّفُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ وَلَمْ يَخَفْ فَقَدْ أَسْقَطَ فَرْضَهُ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ خَفَّ أَوْ لَمْ يَخِفَّ كَمَا قَالَ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] قَالَ وَقَوْلُ مَا تَيَسَّرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ وَاخْتِيَارٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute