للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

يُعَذَّبْ بِهِ أَحَدٌ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْعَاشِرَةُ) إنْ قُلْت مَا مَوْقِعُ {أَوْ} [الأنعام: ٦٥] فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْأَشْيَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى الْجَمِيعِ؟ قُلْت الْمُرَادُ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّوَعُّدُ بِهِ فَلَمْ يُتَوَعَّدُوا بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَإِنَّمَا تُوُعِّدُوا بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَذَلِكَ مِنْ كَرْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ أَنْ لَا يَجْمَعَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأُمُورَ وَلَمَّا وَقَعَتْ الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ لِبْسُهُمْ شِيَعًا وَإِذَاقَةُ بَعْضِهِمْ بَأْسَ بَعْضٍ حَصَلَ الْأَمْنُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ الْخَصْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِهِمَا خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ {يَلْبِسَكُمْ} [الأنعام: ٦٥] بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يَخْلِطَكُمْ وَاللَّبْسُ الْخَلْطُ وَقَوْلُهُ شِيَعًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ جَمْعُ شِيعَةٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَهِيَ الْفِرْقَةُ وَالْمَعْنَى يَخْلِطَكُمْ فِرَقًا مُخْتَلِفِينَ وَقَوْلُهُ شِيَعًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ يَخْلِطَكُمْ بِالْأَجْسَامِ مَعَ افْتِرَاقِكُمْ بِالْقُلُوبِ أَوْ مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصْدَرِ أَيْ يَخْلِطَكُمْ خَلْطَ اضْطِرَابٍ وَاخْتِلَافٍ لَا خَلْطَ سُكُونٍ وَاتِّفَاقٍ فَيَكُونُونَ شِيَعًا عَدِيدَةً لَا شِيعَةً وَاحِدَةً وَقُرِئَ شَاذًّا يُلْبِسَكُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ اللُّبْسِ فَهِيَ عَلَى هَذَا اسْتِعَارَةٌ مِنْ اللِّبَاسِ وَالْمَعْنَى أَنْ يُلْبِسَكُمْ الْفِتْنَةَ وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ شِيَعًا مَا تَقَدَّمَ وَالْبَأْسُ الْقَتْلُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَكَارِهِ وَاسْتَعَارَ لَهُ لَفْظَ الْإِذَاقَةِ لِأَنَّ الذَّوْقَ مِنْ أَعْظَمِ الْحَوَاسِّ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَتَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ افْتِرَاقُ الْأَهْوَاءِ وَالْقِتَالُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ.

(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ هَذِهِ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ بِإِفْرَادِ الْإِشَارَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ هَاتَانِ بِالتَّثْنِيَةِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ وَهُوَ اللَّبْسُ شِيَعًا وَإِذَاقَةُ الْبَعْضِ بَأْسَ الْبَعْضِ يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّا خَصْلَتَيْنِ خِلَافَ مَدْلُولِهِمَا فَإِنَّ اخْتِلَاطَهُمْ مُفْتَرَقِي الْقُلُوبِ غَيْرُ إذَاقَةِ الْبَعْضِ بَأْسَ الْبَعْضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّا خَصْلَةً وَاحِدَةً لِتَلَازُمِهِمَا غَالِبًا فَإِنَّ الْقُلُوبَ إذَا افْتَرَقَتْ حَصَلَ لِأَصْحَابِهَا بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ بَأْسٌ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ وَذَلِكَ نَادِرٌ فَأَفْرَدَ الْإِشَارَةَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَثَنَّاهَا بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ» الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَقَارُبِ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ.

(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْتَعِذْ عَقِبَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: ٦٥] وَكَأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>