. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْغُفْرَانَ لَهُ وَإِرَادَتِهِ لِإِبْعَادِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ تَقْتَضِي عَدَمَ الْغُفْرَانِ لِمَنْ كَرِهَ الْمَوْتَ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ قَائِلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
{الثَّالِثَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ مَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ مَحْمُودَةٌ وَهِيَ عَلَامَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ فَإِنْ قُلْت قَدْ حَمَلْتُمْ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ لِلِّقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَالَةِ النَّزْعِ وَالِاحْتِضَارِ وَتِلْكَ الْحَالَةُ لَا تَمَنِّي فِيهَا؟ قُلْت مَا الْمَانِعُ مِنْ التَّمَنِّي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَوْلَا وُرُودُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَشْرَحُهُ لَكَرِهْنَا تَمَنِّي الْمَوْتِ بِكُلِّ حَالٍ فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلِمْنَا أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَحْمُودٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي زَمَنِ الصِّحَّةِ أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ وَلَا يَتَمَنَّاهُ بِلِسَانِهِ فَتَكُونُ هَذِهِ بُشْرَى لِلْعَبْدِ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ الْعَارِفَ بِالْأُمُورِ لَا يُحِبُّ الْمَوْتَ إلَّا إذَا أَعَدَّ لَهُ الْأُهْبَةَ وَتَخَلَّصَ مِنْ التَّبَعَاتِ وَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ كَمَا يَجِبُ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ لِقَاءَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُرِيدُ لَهُ الْخَيْرَ وَيَعُدُّهُ لَهُ فَإِنْ قُلْت هَذَا يُنَافِي الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الِاحْتِضَارِ قُلْت تِلْكَ الْحَالَةُ هِيَ الَّتِي لِاخْتِلَالٍ فِيهَا وَلَا شَكَّ مَنْ أَحَبَّ فِيهَا لِقَاءَ اللَّهِ كَانَ عَلَامَةً عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ وَمَنْ كَرِهَ فِيهَا لِقَاءَ اللَّهِ كَانَ عَلَامَةً عَلَى كَرَاهَةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَرَاهَةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْتِ كَرَاهَةُ اللَّهِ لِلِقَائِهِ وَلَا مِنْ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْتِ إذَا نَشَأَ عَنْ ضَجَرٍ وَاخْتِلَالِ عَقْلٍ وَعَدَمِ إحْكَامٍ لِلْأُمُورِ مَحَبَّةُ اللَّهِ لِلِقَائِهِ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَا كَوْنَ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْتِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاحْتِضَارِ دَلِيلًا عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ عَنْ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُحْكِمٍ لِلْأُمُورِ قَدْ اسْتَعَدَّ لِلْأُمُورِ وَأَخَذَ لَهَا أُهْبَتَهَا وَقَامَ لِلَّهِ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقِّهِ فَإِذَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةَ الْمَوْتِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى خَيْرٍ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
{الرَّابِعَةُ} قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إرَادَةُ الْخَيْرِ لَهُ وَهِدَايَتُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ، وَبُغْضُهُ إرَادَتَهُ عِقَابَهُ وَشَقَاوَتَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَكَاهُ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
{الْخَامِسَةُ} قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْمُرَادُ بِلِقَاءِ اللَّهِ الْمَصِيرُ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِهِ الْمَوْتُ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute