للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

الْمَعِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ لَك أَنْ تَقُولَ مَا الْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ مَعَ أَنَّ رَائِحَتَهُ مُسَاوِيَةٌ لِرَائِحَةِ الْمِسْكِ وَعَدَمُ تَحْرِيمِ إزَالَةِ الْخُلُوفِ مَعَ كَوْنِهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ (قُلْت) وَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ:

(أَحَدُهَا) مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ حُجَّةٌ لَهُ عَلَى خَصْمِهِ وَلَيْسَ لِلصَّائِمِ خَصْمٌ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالْخُلُوفِ إنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ لَهُ بِالصِّيَامِ وَذَلِكَ مَحْفُوظٌ عِنْدَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ.

(ثَانِيهَا) أَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ حَقٌّ لَهُ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ غُسْلُهُ فِي حَيَاتِهِ وَالْخُلُوفُ حَقٌّ لِلصَّائِمِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ حَقِّهِ وَإِزَالَةِ مَا يَشْهَدُ لَهُ بِالْفَضْلِ.

(ثَالِثُهَا) أَنَّ كَوْنَ رَائِحَةِ دَمِ الشَّهِيدِ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ وَكَوْنَ رَائِحَةِ الْخُلُوفِ أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ لَهُ تَأْوِيلٌ يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فِي أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهَا.

(رَابِعُهَا) أَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ مَعَ وُجُوبِ إزَالَةِ الدَّمِ وَمَعَ وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَمَا اُغْتُفِرَ تَرْكُ هَذَيْنِ الْوَاجِبِينَ إلَّا لِتَحْرِيمِ إزَالَتِهِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِتَحْرِيمِهِ وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فِي السِّوَاكِ، وَإِنَّمَا قِيلَ بِالِاسْتِنْبَاطِ.

(خَامِسُهَا) أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ فِي خُلُوفِ الصَّائِمِ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَهِيَ مَحَلُّ التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَاتِ وَمُلَاقَاةِ الْبَشَرِ فَأَمْكَنَ أَنْ يُزَالَ الْخُلُوفُ لِمَا يُعَارِضُهُ بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

{السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى حَكَاهُ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بِنِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ وَعَدَمِ الْإِشْكَالِ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَغَيْرِهِ بِحِكَايَتِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى.

{الثَّامِنَةُ} ذِكْرُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بَعْدَ ذِكْرِ الشَّهْوَةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِدُخُولِهِمَا فِيهَا وَذَلِكَ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِمَا فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ بِهِمَا أَعَمُّ وَأَكْثَرُ تَكَرُّرًا مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الشَّهَوَاتِ.

{التَّاسِعَةُ} قَدْ يُشِيرُ الْإِتْيَانُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ «إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ» إلَى أَنَّهُ إذَا أَشْرَكَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهُ مِنْ مُرَاعَاةِ تَرْكِ الْأَكْلِ لِتُخَمَةٍ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ الصَّوْمُ صَحِيحًا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا أُشِيرَ بِذَلِكَ إلَى الصَّوْمِ الْكَامِلِ وَالْمَدَارُ عَلَى الدَّاعِي الْقَوِيِّ الَّذِي يَدُورُ مَعَهُ الْفِعْلُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَقَدْ بَسَطَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلَ تَشْرِيكِ النِّيَّةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.

{الْعَاشِرَةُ} ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» مَعَ كَوْنِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا أَقْوَالًا:

<<  <  ج: ص:  >  >>