. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
تَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى سَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذَاهِبَ فَبَعْضُهُمْ بَالَغَ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ لَا يَتَعَدَّاهُمْ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِمْ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي اسْتِهْلَالِهِ رَمَضَانَ بِالشَّامِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ الْعِدَّةَ أَوْ نَرَاهُ. وَقَالَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَامَّ يَعْنِي قَوْلَهُ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ» لَا حَدِيثًا خَاصًّا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ عِنْدِي انْتَهَى.
وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ آخَرُونَ إذَا رُئِيَ بِبَلْدَةٍ لَزِمَ أَهْلَ جَمِيعِ الْبِلَادِ الصَّوْمُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنْ تَقَارَبَتْ الْبَلَدَانِ فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ وَإِنْ تَبَاعَدَتَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْغَزَالِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الْآخَرِ وَالثَّانِي الْوُجُوبُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ.
وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَفِي ضَبْطِ الْبُعْدِ أَوْجُهٌ:
(أَحَدُهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ التَّبَاعُدَ أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَطَالِعُ كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، وَالتَّقَارُبَ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالرَّيِّ وَقَزْوِينَ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ التَّبَاعُدَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِير وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
(وَالثَّالِثُ) اعْتِبَارُهُ بِاتِّحَادِ الْأَقَالِيمِ وَاخْتِلَافِهِ وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ كُلَّ بَلَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عَارِضٍ يَلْزَمُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنْ ثَبَتَ بِأَمْرٍ شَائِعٍ لَزِمَ الْبَعِيدَ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ