. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُعْطَى قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ مِنْ غَيْرِ شِبَعٍ وَلَا رِيٍّ بَلْ مَعَ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ وَهَذَا أَكْمَلُ لِحَالِهِ، وَعَلَى الثَّانِي يُخْلَقُ فِيهِ الشِّبَعُ بِلَا أَكْلٍ وَالرِّيُّ بِلَا شُرْبٍ وَهَذِهِ كَرَامَةٌ عَظِيمَةٌ لَكِنَّهَا تُنَافِي حَالَةَ الصَّائِمِ وَتُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ مِنْ الصِّيَامِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُبْعِدُهُ النَّظَرُ إلَى حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَجُوعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُ وَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحِجَارَةَ مِنْ الْجُوعِ وَيُبْعِدُهُ أَيْضًا النَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ فِيهِ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ لَمَا وَجَدَ لِعِبَادَةِ الصَّوْمِ رُوحَهَا الَّذِي هُوَ الْجُوعُ وَالْمَشَقَّةُ وَحِينَئِذٍ كَانَ يَكُونُ تَرْكُ الْوِصَالِ أَوْلَى انْتَهَى وَأَمَّا ابْنُ حِبَّانَ فَإِنَّهُ ضَعَّفَ حَدِيثَ وَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى بَطْنِهِ مِنْ الْجُوعِ بِهَذَا الْحَدِيثِ إمَّا حَمْلًا لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَوَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَإِمَّا تَمَسُّكًا بِهَذَا الْجَوَابِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَقَالَ هَذَا الْخَبَرُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ وَضْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ كُلُّهَا أَبَاطِيلُ، قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْحُجْزُ لَا الْحَجَرُ وَالْحُجْزُ طَرَفُ الْإِزَارِ إذْ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا كَانَ يُطْعِمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسْقِيهِ إذَا وَاصَلَ فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ جَائِعًا مَعَ عَدَمِ الْوِصَالِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى شَدِّ حَجَرٍ عَلَى بَطْنِهِ؟ وَمَا يُغْنِي الْحَجَرُ عَنْ الْجُوعِ؟ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ذَلِكَ مَرْدُودٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الرِّوَايَةِ وَبَعْضُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ صَرِيحَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُؤْتَى الطَّعَامَ مِنْ الْجَنَّةِ وَشَرِبَ مِنْهَا فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ كَرَامَةً لَهُ وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا وَبِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» وَلَفْظَةُ أَظَلُّ لَا تَكُونُ إلَّا فِي النَّهَارِ وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ الْحَقِيقِيُّ فِي النَّهَارِ بِلَا شَكٍّ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْجَوَابُ لَعَلَّهُ يَخُصُّ مَنْعَ الْأَكْلِ نَهَارًا بِطَعَامِ الدُّنْيَا دُونَ طَعَامِ الْجَنَّةِ أَوْ يُؤَوِّلُ لَفْظَةَ أَظَلُّ عَلَى مُطْلَقِ السُّكُونِ وَيَخْرُجهَا عَنْ حَقِيقَتِهَا وَكُلًّا مِنْهَا بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَشْغَلُنِي عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْحُبُّ الْبَالِغُ يَشْغَلُ عَنْهُمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ وَيَسْقِينِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ لُغَتَانِ أَشْهَرُهُمَا الْفَتْحُ، وَقَوْلُهُ «فَاكْلَفُوا» بِفَتْحِ اللَّامِ مَعْنَاهُ خُذُوا وَتَحَمَّلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute