للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العليُّ، الكبيرُ، الحفيظُ، المقيتُ، الحسيبُ، الجليلُ، الكريمُ، الرَّقيبُ،

ــ

قال تعالي: ((وقليل من عبادى الشكور)). وقال بعضهم: قليل من عبادى من يشهد النعمة منى، لأن حقيقة الشكر الغيبة عن شهود النعمة بشهود المنعم، وقيل: هم الأكثرون وإن قلُّوا، ومواضع الأنس حيث حلُّوا.

((العلي)) فعيل من العلو، ومعناه البالغ في علو الرتبة إلي حيث لا رتبة إلا وهي منحطة عنه، وهو من الأسماء الإضافية. قال بعض الصالحين: العلي الذي علا عن الدرك ذاته، وكبر عن التصور صفاته. وقال آخر: هو الذي تاهت الألباب في جلاله، وعجزت العقول عن وصف كماله. وحظ العبد منه: أن يذل نفسه في طاعة الله ويبذل جهده في العلم والعمل، حتى يفوق جنس الإنس في الكمالات النفسإنية، والمراتب العلمية والعملية.

قال الشيخ أبو القاسم: ومن علوه وكبريائه أنه لا يصير بتكبير العباد له كبيرًا، ولا بإجلالهم له جليلا، بل من وفقه لإجلاله فبتوفيقه أجله، ومن أيده بتكبيره وتعظيمه، فقد رفع محله، لا يلحقه نقص فيجبر ذلك بتوحيد عباده، فهو العزيز الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يتوجه عليه سبة ولا لوم. ومن حق من عرف عظمته: أن لا يذل لخلقه ويتواضع لهم، فإن من تذلل لله في نفسه رفع الله قدره علي أبناء جنسه. وقيل: المؤمن له العزة لا الكبر، وله التواضع لا المذلة.

((الكبير)) نقيض الصغير، وهما في الأصل يستعملان للأجسام باعتبار مقاديرها، ثم لعالي الرتبة ودإنيها، قال الله تعالي حكاية عن فرعون: ((إنه لكبيركم الذي علمكم السحر)) والله سبحانه وتعالي كبير بالمعنى الثانى، إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها، من حيث أنه قديم، أزلي، غنى، علي الإطلاق، وما سواه حادث بالذات، نازل في حضيض الحاجة والافتقار، وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس، وإدراك العقول. وعلي الوجهين فهو من أسماء التنزيه. وحظ العبد منه: أن يجتهد في تكميل نفسه علما وعملا، بحيث يتعدى كماله إلي غيره، ويقتدى بآثاره، ويقتبس من أنواره، قال عيسى عليه السلام: من علم وعمل، فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماء.

((الحفيظ)) الحفظ صون الشىء عن الزوال والاختلال، إما في الذهن، وبإزائه النسيان، وإما في الخارج، وبإزائه التضييع. والحفيظ يصح إطلاقه علي الله تعالي بكل واحد من الاعتبارين، فإن الأشياء كلها محفوظة في علمه تعالي، لا يمكن زوالها عنه بسهو أو نسيان، وإنه تعالي يحفظ الموجودات عن الزوال والاختلال ما شاء، ويصون المتضادات والمتعاديات بعضها عن

<<  <  ج: ص:  >  >>