رفيقه النجم والظلمة والقمر والهدوء الشامل يتخلله عزيف الريح، وما يتوهمه الساري من أصوات الجنان وما يلوح له من نيران المضارب وما يشيمه من البروق.
وكل هذه الأشياء تخالط النفس وتداخل أشواقها وحنينها. فرب حجر يمر به الراكب فيتذكر لمرآه معلمًا وثيق الصلة بماضي تجاربه. ورب ظل يُذكره ظلاً آخر أصاب عنده أُنسا أو لقاء. ورب نجم يطلع من تلقاء وطن خلفه الراكب وراءه أو يترقبه أمامه. وأن لشمول الصحراء واتساعها وتشابه مراميها لسحرًا أخاذًا يحيط بأكناف النفس ويحدث فيها شجوا عميقًا هو مزيج من وحشة الفردية الأصيلة في الذات الإنسانية، والنزوع إلى الأحبة الشديد المخالطة لأغوارها.
من أجل هذا جميعه جعل الشعراء العرب من الشوق والحنين أصلاً من أصول التعبير، له رموز تشير إليه، وتنساق منه إلى غيره مما يلابسه من المعاني كالهوى والغزل والنفور والقلق وهلم جرا.
[رمزية المعاهد والديار]
وأول رموز الشوق والحنين هو المأوى. والدار والمنزل أوضح ما يدل على المأوى. ثم المرأة فرع من هذا المعنى، إذ هي قد كانت المأوى الأول حين كانت أما ثم هي المأوى الثاني حين تكون الخدن والزوجة والصاحبة. والعرب بما تكني بالبيت عن المرأة، وقد يذهب بعض المفتنين إلى أن هذا من باب المجاز اللغوي، على تقدير حذف المضاف والمراد أهل البيت. وقد ذهب ابن حزم إلى أن أهل البيت في قوله تعالى= {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (٣٣)} إنما أريد به أزواج النبي ليس إلا. وتقول العرب «بني بُفلانة» والبناء إنما يكون للبيت. ويقولون «امرأة مُثفاة» يشتقون ذلك من الأثفية، إذا كان لها ضرتان، والأثافي من متاع البيت الذي لا يفتأ العرب يذكرونه.