للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الماضي ويحاول نسبة الأسلوب القديم الخالي منها، إليها ويحاول أن يعرف سبب خلوه منها، وكيف أمكن أسلوبًا جاء بعده أن يتصف بها.

هذا، وشعر المولدين في جملته قليل الترصيع. وإنك لتجد أمثال حبيب، ممن كانوا يُبالغون في التصنيع، ويتكلفون له الكلف، لا يتعاطون الترصيع والتقطيع إلا أحيانًا، وكأنما يتظرفون به تظرفًا، وأكثر ما يجيء ذلك منهم في البحر الكامل، وقد تجي لهم أشياء في الخفيف. والغالب على مذهبهم، التقسيم الخفي، أو الشبيه بالواضح، على أسلوب زهير. وحتى هذا، ليس بكثير عندهم. وكأنهم قد اكتفوا من القسمة بأشطار البيت، وإتمام الوزن، من دون مُزاحفة، أو تعاطي شيء من الرخص، التي كان يتعاطاها القدماء، وهذا أشبه بمذهبهم في طلب الإحكام والهندسة.

[وقفة عند المتنبي]

على أن المتنبي، من بين المحدثين، كان يُكثر من التقسيم، وقد نبه الثعالبي إلى هذه الظاهرة من شعره، ومدحها، وأطنب في ذلك، وتمثل له بأشياء منها، زعمها أحسن من تقسيمات إقليدس (١) وقلت قصيدة للمتنبي تخلو من هذا الصنف ولا سيما شعر شبابه الأول، كبائيته في أبي المغيث العجلي، التي يقول فيها متغزلاً:

ناءيته فدنا، أدنيته فنأى ... جمشته فنبا، قبلته فأبى

وقال حين تخلص:

مرت بنا بين سربيها فقلت لها ... من أين جانس هذا الشادن العربا؟

فاستضحكت، ثم قالت، كالمغيث: يرى ... ليث الشرى، وهو من عجل إذا انتسبا


(١) يتيمة الدهر: ١: ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>