صعب الكريهة لا يرام جنابه ... ماضي العزيمة كالحسام المقصل
يحمي الصعاب إذا تكون كريهة ... وإذا هم نزلوا فمأوى العيل
ود أبو كبير لو هكذا كان هو.
وفي الأبيات بعد دقائق من معرفة العرب بالتربية ورعاية الصغار في أطوار الطفولة الأولى كقوله ومبرا من كل غبر حيضة أي بقايا الحيضة. وداء مغيل أي إن أمه لم ترضعه غيلًا أي على حمل وذلك فيما زعموا يضعف الناشئ، وأن المرأة إذ غشيت في حال خوف أو غصبت، كان ذلك أنجب للنسل. قالوا وكان تأبط شرًا امرأ قصيرًا وذلك قول قيس بن العيزارة:
فأكرم ببز جر شعل على الحصى ... ووقر بز ما هنالك ضائع
شعل هو تأبط شرًا. فإن صدق فهذه الصفة التي وصف بها أبو كبير تأبط شرًا- «وإذا رميت به الفجاج إلخ» تؤيد ما ذكره، وكأنه كرة تنزو إذ يهوي المخارم أو كما قال:
يهوى مخارمها هوى الأجدل
أي الصقر.
خامسًا: التخلص:
كل ما كنا فيه تخلص، غير أنا نخص في هذا الفصل تحت هذا العنوان مسائل منها الخروج وهو كثير. فقولهم «دع ذا» «وعد عن ذا» خروج. وقد بينا أن كثيرًا من «دع ذا» و «عد عن ذا» له صلة تسلسلية أو تدرجية أو قوة صلة ما بما تقدمه وما يجيء بعده من ذلك ما سبق به الاستشهاد من قول النابغة مثلًا:
فعد عما مضى إذ لا ارتجاع له ... وانم القتود على عيرانة أجد
ونحو قول علقمه:
فدعها وسل الهم عنك بجسرة ... كهمك فيها بالرداف خبيب
ونحو
فلأهدين مع الرياح قصيدة ... مني مغلغلة إلى القعقاع
قال ابن رشيق وقد ذكرنا بعض كلامه في أول الكتاب ومن المستحسن أن نورده كله هنا إذا اعتمدنا عليه في بعض ما نقول، وفصلنا من ذلك مواضع، فيما تقدم، وقد نلحق ببعضه شيئًا من التعليق من بعد إن شاء الله (١).
وأما الخروج فهو عندهم شبيه بالاستطراد وليس به، لأن الخروج إنما هو أن تخرج من
(١) العمدة تحقيق الشيخ محيي الدين عبد الحميد رحمه الله ج ١ ص ٢٣٤ - ٢٣٨.