تأمل مثلًا قول الحريري في المقامة التبريزية:«قال: فلما رأى القاضي اجتراء جنانها، وانصلات لسانها * علم أنه قد مني منهما بالداء العياء، والداهية الداهياء * وإنه متى منح أحد الزوجين، وصرف الآخر صفر اليدين * كان كمن قضى الدين بالدين، وصلى المغرب ركعتين * فطلسم وطرسم * واخرنطم وبرطم * وهمهم وغمغم * ثم التفت يمنة وشامة * وتململ كئابة وندامة*» ووضعنا الأنجم لتبين تمام أجزاء المعاني، ثم عند كل سجعة تمام جزيء من المعنى.
وكان العقاد قد ذهب في بعض ما كتب، أحسبه في الساعات، إلى أن العرب لم تكن وحدة بناء القصيدة وأنها إنما كانت تهتم بإحكام وحدة البيت. ومن أجل هذا المذهب قدم ابن الرومي وغلا فيه لما ظن أنه وجده عنده من وحدة القصيدة. ولقبل العقاد رحمه الله ما افتن بعض أوائل رواد أدبنا الحديث بأمر وحدة الموضوع. قصائد عدة من ديوان شوقي تنظر إلى هذا المعنى مثل:«قفي يا أخت يوشع» ومثل «أبا الهول عليك العصر» ومثل «من أي عهد في القرى تتدفق» وهلم جرا وانظر آخر هذا الجزء عن حديثنا عن المقالة إن شاء الله تعالى ومن عجب الأمر أن الذين ينقمون من الشعر العربي ما يزعمونه من عدم «الوحدة العضوية» ليس لديهم إلا حسن الثناء على كل غموض، وكل انعدام وحدة في الذي يحسبون أنهم يحاكونه من تجديدات الإفرنج. ولله در الشاعر العربي القديم إذ يقول:
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحًا
وهذا بع حين نأخذ في شيء من البسط والتفصيل وبالله نستعين:
[عناصر الوحدة]
هن في القصيدة العربية أربعة، الوزن والصياغة والأغراض ونفس الشاعر بفتح النون والفاء.