مرت بنا بين سربيها فقلت لها ... من أين جانس هذا الشادن العربا
فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى ... ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسبا
فهذا احتيال احتال به أبو الطيب فخرج إلى مدح المغيث.
وقال بشر إنها رأت رأسي لا شعر به أملس كأفحوص القطاة، وليس ذلك لأن منعما من على فجز ناصيتي إني من معشر أولى قتال.
أجبنا بني سعد بن ضبة إذ دعوا ... ولله مولى دعوة لا يجيبها
فهذا اقتضاب مع الخروج الذي صار به الشاعر إليه. إذ الغزل ونشوته قد وطأت إلى ذكر القتال وتحدي الشاعر لبني سعد بن ضبة.
ولو رجعت إلى قول حسان بن ثابت:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
فههنا مع احتياله بالخروج الذي خرجه نوع «من اقتضاب» هيأ له الغزل قبله، إذ هو خصومة وقتال.
وعلى هذا الوجه يصح زعم ابن رشيق أن العرب الأولين لم يكن شعراؤهم يستعملون الخروج كاستعمال أبي الطيب وأبي تمام والمحدثين له، لأن هؤلاء كانوا يخرجون به كل الخروج، أما ما جاء منه في كلام القدماء كما عند حسان فله اتصال معنوي ما، على النحو الذي ذكرناه منه. أو على تضمين خطاب للمحبوبة بما سيأتي كما صنع الحادرة بقوله «فسمي» ولبيد بقوله: «بل أنت لا تدرين» وما أشبه. ومن أوضح هذا مثالًا قول عبد المسيح بن عسلة العبدي:
ألا يا اسلمي على الحوادث فأطما ... فإن تسأليني تسألي بي عالمًا
غدونا إليهم والسيوف عصينا ... بأيماننا نلي بهن الجماجما
لعمري لأشبعنا ضباع عنيزة ... إلى الحول منها والنسور القشاعما
[الاقتضاب عند المحدثين]
الذي سماه ابن رشيق خروجًا أكثر ما يقال له في شعر المحدثين التخلص ومما مدح به أبو الطيب حسن التخلص كبيت المغيث وكقوله:
حال متى علم ابن منصور بها ... جاء الزمان إلى منها تائبًا