قلنا إن النثر العربي له مذاهب في الإيقاع تشبه أشعار الإفرنج وزعمنا أن الجاحظ والتوحيدي والصاحب وأضرابهم عمدوا إلى أشكال في الصياغة قريبة من أشكال الشعر الإفرنجي. ونحسب أنهم لو وقعوا في لغة أفرنجية لعدوا بصنيعهم هذا من شعرائها. على أنا نعلم أنهم لم يوصفوا في اللغة العربية بنعت الشعراء ولو على سبيل المجاز. ولم توصف أساليبهم بأنها من قرى الشعر ولو على سبيل التوسع.
وذلك بأن الذوق العربي لم يكن يرى إيقاع النثر داخلاً في حيز الوزن والعروض، مهما يبلغ من درجات الإتقان والرنين. ولقد نجسر فنبني على هذا أن الذوق العربي قد لا يرى أن كثيرًا من أشعار الإفرنج تدخل في حيز الوزن والعروض على ما يذكره لها نقادها من مصطلحات هذين في تصانيفهم. وآية ذلك أن الذوق العربي قد اكتفى في تعريف الشعر بأن قال:«هو الكلام الموزون المقفى» وعنده أن هذا التعريف حد جامع مانع، ولو قد كان يعد شيئًا من إيقاع النثر وسجعه ذا مشابه من الوزن والتقفية، ما كان ليكتفي بهذا التعريف أو يقطع بأنه حد جامع مانع. ولعلك قائل فهذا مجرد تحكم من الذوق العربي أن يعد أوزان الخليل وما إليها هي الأوزان، ثم يضرب عما عدا ذلك؟ وهذا التحكم لا ينبغي أن يقيدنا نحن الآن.
والحق أنه ليس بتحكم، ولكنه مذهب وأسلوب تفرد به ذوق العرب، وقد استوحوه من بيتئهم وسجية لغتهم. ذلك بأنهم كانوا في أول أمرهم قومًا بدوا لا يحسنون من الصناعات كبير شيء. وكانت لغتهم هي صناعتهم. فأقبلوا عليها كل