للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسك حبه لها، ونزعه إليها. ثم ألا تحس أن تكرارها هنا فيه صدى لذكر الغضى الذي افتتح به الشاعر القصيدة؟

وبائية مالك بن الريب هذه من طوال القصائد، وهي تتبع نهج يائية عبد يغوث الحارثى. ويخيل لي أحيانًا أن يائية عبد يغوث أقوى منا وأكثر حرارة، حتى أقرأها فلا أدري كيف سبيل الموازنة والتفضيل. وقد جمعت القصيدتان من جلالة الوزن، وبهاء القافية، ونقاء اللفظ، وقوة الجرس ولا سيا التكرار، أوانًا مما يفعم القلوب بالشجو. ومع أني لا أشك أن يائية ابن الريب هذه قد دخلتها الإضافات والزيادات البادية ومن طريق أبناء عمومة الشاعر. وهم كانوا أدرى بنفسه، وأقدر على مجاراته، ولم يخل بعضهم من حرارة وجدٍ، وعطفٍ على ذلك الشاعر، أنطقهم بما كان ينطق به لسان حاله، وإن لم ينطق به لسان مقاله.

[التكرار الصوري في الرحلة والسفر]

إذا انتقل الشاعر من الحنين والتشبيب، احتاج إلى إشعار السامع بالجد. وأكثر ما كان يفعله شعراء الجاهلية أن يوصدوا باب النسيب فجاءة، ثم يأخذون في ذكر التسلي عن فراق الأحباب، بركوب ناقةٍ أمونٍ جسرةٍ تبلغهم أغراضهم من لقاء ممدوح، إلى غير ذلك من الأغراض التي يكون من أجلها السفر، وهذا باب سنفصل الحديث عنه في موضعه إن شاء الله.

وقد يختصر الشاعر موضوع السفر أو يطيله. فإذا اختصر اجتزأ بوصف الناقة والطريق أما إذا أطال فإنه يعمد إلى التشبيه، فيشبه ناقته بالبقرة المسبوعة، وبالظليم وحمار الوحش، ويخرج من ذكر الناقة إلي ذكر ما يلقاه الحمار أو البقرة أو الظليم من أخطار تدفعه إلى الاسراع (وهذا أيضا باب نأمل أن نوفيه حقه فيما بعد).

<<  <  ج: ص:  >  >>