للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرتبة دون الشعراء، وذلك قوله (١): «ويمر بأبيات ليس لها سموق أبيات الجنة. فيسأل عنها، فيقال: هذه جنة الرجز، يكون فيها أغلب بني عجل والعجاج ورؤبة وأبو النجم وحميد الأرقط وعذافر بن أوس وأبو نخيلة وكل من غفر له من الرجاز، فيقول: تبارك العزيز الوهاب، لقد صدق الحديث المروي، إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها، وإن الرجز من سفساف القريض، قصرتم أيها النفر فقصر بكم ا. هـ». ومقالة المعري هذه تنبئ عن حقيقة رأي العرب في القصيد، من أنه قد كان عندهم ذروة المنظوم، ومعرض الجد فيه، وما سواه من أصناف المشطور وقصار الأسماط إنما كانت تراد به ناحية الترنم دون حاق التأليف البياني النغمي الشعري، وقد قارب المرزوقي هذا المعنى في ذيل مقدمته لشرح الحماسة حيث قال (٢): «فلما اختلف المبنيان -يعني مبنى الشعر ومبنى النثر- كما بينا، وكان المتولي لكل واحد منهما يختار أبعد الغايات لنفسه فيه، اختلفت فيهما الأصابتان لتباين طرفيهما، وتفاوت قطريهما (٣). وبعد على القرائح الجمع بينهما، يكشف ذلك أن الرجز وإن خالف القصيد مخالفة قريبة ترجع إلى تقطيع شأو اللفظ فيه، وتزاحم السجع عليه، قل عدد الجامعين بينهما، لتقاصر الطباع عن الإحاطة بهما إلخ».

[القصيدة والقافية الواحدة]

هذا وأصل القصيد فيما أرى من التقصيد الذي هو التكسير (٤). ألا تراهم يقولون: «قصد القنا» بكسر القاف وفتح الصاد، جمع قصدة بكسرها وسكون الصاد، أي ما يكون من الرماح المتكسرة بعد القتال. وما أحسبهم سموا القصيدة قصيدًا إلا من أجل ما يقع في أوزانه من تقطيع الضربات الذي ينتهي عند معقد


(١) رسالة الغفران تحقيق ابنة الشاطئ.
(٢) الحماسة، شرح المرزوقي، دار الترجمة والتأليف والنشر، ١٩٥١ - ١.
(٣) كان أجود لو قال: لتباين أطرافهما وتباعد أقطارهما. والله أعلم.
(٤) رأيت بأخرة في كتاب الزينة تأويلاً لمعنى القصيدة غير هذا فليرجع هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>