وكأنما أراد الإشارة إلى التشبيهات القديمة المسموعة وتضمينها لفظًا موسيقيًا شريفًا - فقد كان الرجل عالمًا محبًا للعلم واللغة مولعًا بإيراد الأخبار القديمة والتلذذ بذكرها، فمن عرف هذا من مذهبه لم يعب عليه تشبيهاته، لا بل لم يعدها تشبيهات، وإنما ينبغي أن يعدها ضربًا من الزخرف اللفظي الجميل، إذ أبو العلاء لا يتعمد التشبيه والتصوير إلا في المسموعات والملموسات، وإذا أراغ شيئًا من المرئيات فإنه لا يعدو النار والنور وما كان له بريق، وما ذلك إلا لأنه كان يتذكر لون النار والنور إذ لم يفقد بصره جملة إلا عند المراهقة على الأرجح، ثم إنه لطبيعة عماه كان يتوهم النور جوهر الإبصار ويصبو إليه في أسمى مجاليه. ولعل غرامه بذكر الكواكب والأقمار وما بمجراها يدخل في هذا الباب.
[الرجز والكامل]
حق هذين البحرين أن يذكرا معًا. ولكن العروضيين يجعلون الكامل في دائرة الوافر، ويلحقون بهما بحرًا مهملًا زعموا أن وزنه:
ولا ريب أن الكامل والرجز أخوان. وكثيرًا ما يختلط على الناظم أمرهما فيضمن الكامل بيتًا من الرجز. على أن العكس نادر، إذ بيت الكامل أوسع وأرحب من بيت الرجز.
ووزن الكامل التام كأن تقول:
ولقد أرى تررن ترى بديارنا ... ودياركم وبيوتنا وبيوتكم
متفاعلن، تتن تتن ويزورنا ... ونزوره كلف بنا رشأ أغن