إذا صورنا نغم السريع بصورة الخطيب وتكراره وجلجلته، والكامل الأحذ بصورة التأني والتلطف والهمس التي تكون عند المحدث البارع، فإننا لا نملك إلا أن نصور المنسرح بصورة الراقص المتكسر أو المغني الخنث. وهذا التصوير والتقريب لا يناقض ما قدمناه قبل من أن هذه الأبحر جميعًا تصلح للغناء. ومع التكسر والرقص والتثني تجد في المنسرح لونًا جنسيًا يشبه لون المتقارب المجزوء. وقد سبق أن لمحنا إلى هذه الصفة في المنسرح عند كلامنا على المنسرح القصير، وعلى أمثال:
حدبدبا بدبدبا منك الآن
وإذا بحثت في الشعر الجاهلي لم تجد المنسرحيات فيه تخرج عن أحد غرضين:
الرثاء المراد به النوح، والنقائض. ولا يخفى على القارئ أن الرثاء إذا أريد به النوح حوى عنصرًا قويًا من التأنث واللين - وكيف لا والنوح إنما كانت تقوم به النساء، ولا شك أنهن كن يتخذن منه معرضًا للفتنة والتبرج، أليس الربيع بن زياد العيسى، من الأوائل يقول (في الحماسة):
من كان مسرورًا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرًا يندبنه ... يلطمن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبأن الوجه تسترًا ... فاليوم حين برزن للنظار
أم ليس أبو نواس يقول:
يا قمرا أبصرت في مأتم ... يندب شجوًا بين أتراب
يبكي فيذري الدمع من نرجس ... ويلطم الورد بعناب
ولا داعي للتطويل هنا في تبين ما بين الرثاء والغزل من قربى، فأقل ما في موت الفقيد من الرؤساء والفتيان، أنه يجعل حرمه أيامى بعده معرضات لمن يريد