لقد تذكر، في حديثنا عن مقاييس الجمال، أنا استشهدنا بقول عمرو بن كلثوم:
ومأكمةٍ يضيق الباب عنها ... وكشحًا قد جُننت به جنونا
في باب ما يبالغ فيه من ضخامة العجيزة. وقلنا إن هذا قد يكون أدخل في باب ما يبالغ الشعراء في أبعاده من نماذج الجمال، وقد تذكر أيضًا أنا استشهدنا بقول الأعشى:
والشعراء مما يعمدون إلى المبالغة في أبعاد نماذج الجمال، خُمصانها وبادنها وما يُخلط فيه بينهما، يريدون بذلك إظهار العجب والفتنة، كما يريدون نوعًا من التأليه. ولعل هذا العنصر الثاني أقوى، وكأنه مستمد من عبادة الخصوبة الأولى. وهم في صنيعهم هذا، كأنهم ينظرون إلى بعض ما كان يصنع أهل الرسم والنحت -ومازالوا يفعلون- من المبالغة في أبعاد التماثيل والتصاوير. ومن ذلك مثلاً عذارى يونان الحاملات سقف الأكروبوليس، ومن ذلك أيضًا تماثيل أفروديت نفسها متجردة، أو ذات قلادة أو ذات ثوب. ولا ريب أن مناة واللات والعزى قد كن أحجارًا ضخامًا. هذا، وصناعتا الرسم والنحت كلتاهما تتيحان من ضبط نسب الأبعاد، وإن بولغ فيها، ما لا تتيحه صناعة البيان. ذلك بأن هذه أداتها اللسان والسمع، وتينك أداتهما اليدان والبصر، ولليدين والبصر من المقدرة على إيقاع النسب المكانية وتحدديها لدى الإدراك، ما ليس للسمع واللسان، إلا مع الجهد البالغ وإعمال الخيال.
وأحسب أنه من أجل هذا ما اضطر الشعراء، حين يبالغون في أبعاد نماذج ما