للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الأول]

[تمهيد]

عند المعاصرين أن الشعر العربي غنائي كله. وهذه كلمة صدق قد يراد بها الباطل أحيانًا كثيرة. اتبع فيها جيل المعاصرين مزاعم بعض المستشرقين الذين يزعمون أن الشعر العربي كله من الصنف الذاتي الغنائي «Lyric ليريك» وعند هؤلاء أن الشعر كله أصناف ثلاثة، المسرحي (DRAMA دراما) والملحمي (EPIC ابيك) والغنائي الذاتي (LYRIC ليريك). كلمة صدق لأن الشعر كله ضرب من الغناء. وقد يراد بها الباطل لأن الأوروبيين يعدون كلا صنفي الشعر المسرحي والملحمي أرفع قدرًا من الصنف الغنائي. والغالب عندهم تقديم الصنف المسرحي على الملحمي إلا أنه كالمجمع عندهم على تقديم أوميروس في ملحمتيه الإلياذة والأوديسة ثم يذكرون بعده المسرحيين، فربما قدموا سوفوكليس وربما قدموا يوربيديس وكان الغالب تقديم أسخيلوس، ثم تذكر الموسوعة البريطانية من بعد شاعر الإنجليز شكسبير ولا تقرن به أحدًا بعد الأولين من اليونان وتذكر أن الطليان يقدمون دانتي صاحب الملحمة الإلهية والألمان يقدمون جوته وتجعل مكان الشعر الغنائي بعد ذلك، لأن المقتدر من شعراء المسرح والملحمة يغني كل الألحان ولكن شاعر الصنف الغنائي إنما يقوى على اللحن الواحد أو نحو ذلك. وقدمت الموسوعة المذكورة شعر الكتاب المقدس الغنائي على كل الشعر الغنائي. وجعلت للشعر العربي بعد أن صنفته كله في النوع الغنائي حظًّا من الجودة إلا أن مكانه عندها دون مكان الشعر العبراني المقدس. ولا يخفى أن هذا الحكم مائل مع العنصرية ومع التعصب الديني، وكأن العنصرية مقدمة على الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>